إن الثورة اليمنية الحالية من خلال شعاراتها وهتافاتها يتضح أنها تنادي بإسقاط النظام وهذا الإسقاط بمفهومه يقصد به إنهاء عهد من الفساد لبدء عهد جديد يتسم بالحرية والنهوض والتطور من الطبيعي أن تحدث هذه الثورة تغيرا على المجتمع وقد أحدثت . الذي أشاهده أن التغيير في شمال الوطن كان إيجابيا لكن في جنوبه وتحديدا عدن كان سلبيا أكثر منه إيجابية من ناحية القيم وليس من ناحية المكسب السياسي وربما يخالفني البعض بهذا الطرح إلا أنني سأقوله بكل صراحة . أولا : لماذا أتحدث بصيغة شمال وجنوب ؟ الجواب : ليس تأصيل للتجزئة وإنما ليسهل عرض الموضوع لأن الموضوع سيتناول حديث عن النمط الجغرافي وتأثره .وليس له علاقة بالموقف السياسي . ثانيا : لماذا التأثير إيجابيا في الشمال وسلبيا في الجنوب ؟ للإجابة على ذلك أقول انظروا إلى العادات والتقاليد والقيم المجتمعية للمواطن نلاحظ انتشار عادة الأخذ بالثأر وتقييد المرأة في الحركة واشتراط المحرم في تنقلها وكذلك حمل السلاح وإطلاق النار في الأفراح والتسبب بوجود حوادث ناهيك عن النزاعات . مع الثورة أصبح المواطن يترفع عن كل ذلك وبدأت ثورة قيم تنشأ لديه أصبح يستصغر أن يقتل بمبرر الثأر في الوقت الذي يستشهد فيه الشباب في ساحات التغيير في سبيل قيمة أرفع بكثير من ذلك وهي الحرية ونبذ الفساد والظلم . أصبح أيضا يترفع عن تقييد المرأة حين يرى تضحياتها وحماسها وقدراتها الجبارة في خدمة الوطن أصبح يتحاشى أن يسير بالسلاح حتى لا يخدش قضية وطنه الناصعة البياض بأشياء هو قادر على تغييرها . بالطبع ليست قاعدة عامة لكن على الأقل بدأت بوادر تشير إلى ذلك . في حين أن حاضرة عدن التي كانت نموذجا للمدينة ، المدينة بمعنى الكلمة من حيث التخطيط الحضري ومن حيث العادات ،لا حمل سلاح ولا إطلاق نار في الأفراح ولم نكن نسمع أن شخصان تعاركا بشأن شخصي فأردى أحدهما الآخر قتيلا ولم نكن نسمع على انتشار المخدرات بشكل جنوني ولا يوجد شرطي مرور يمد يده للسائق ليأخذ (( حق الشاي )) ولم نرى سيارة تسير في خط الدخول أثناء الخروج والعكس .كان هناك نظاما وانتظاما في حياة المواطن واحترام لقيم المدينة . كل تلك السلبيات وأكثر منها وليس هنا مكان حصرها تسربت إلى عدن وأصبحت تتأصل حتى أصبحت سلوكا وزاد الطين بلة بقيام الثورة التي من المفترض أن تكون ثورة قيم لنبذ كل العادات الدخيلة على مجتمعنا لكن للأسف المراقب للوضع بعين محايدة يرى أن حمل السلاح والتجول به أصبح أمرا عاديا .والقتل غير المبرر أصبح متكررا فإذا كان المواطن في الشمال تحكمه القبيلة ففي عدن لا تحكمه قبيلة فيصبح الموضوع عبث ، لا أنه يفعل ذلك لأنه قبيلي ولا أنه يحافظ على تحضره فأصبح المشهد أكثر سفها وعبثية . من المؤكد أن الثورة ليست هي السبب في ذلك فهذه نتيجة تراكمات من عملية مسخ تعرضت لها عدن لوجود عقدة لدى الحاكم وهي عقدة ((لا أستطيع أن أرتفع إليك فانزل أنت إلي ))وهذا ما حصل نزلت عدن وضلت في الأسفل وصعد غيرها . على شباب الثورة في عدن أن يتعاملوا مع خصوصية عدن فليس كل ماهو في تعز وصنعاء يمكن تطبيقه في عدن وليس كل ما سكت عنه هناك يجب أن نسكت عنه هنا الثورة في عدن تفقد الإبداع وتميل نحو التقليد ، لا أقصد إحباط الثوار فأنا واحدة منهم لكن أغار على القيم التي أراها تتبدل وتتحول فأدعو الجميع من أبناء عدن أن يجعلوا الثورة ثورة تغيير وثورة قيم .