منذ اجتياح الجنوب تحت سنابك الآلة العسكرية التابعة لصنعاء في العام 1994م والمظالم والسلب والنهب والفيد والإلغاء والتهميش وغيرها من الممارسات التي دأب الاحتلال ممارستها بصورة ممنهجة للقضاء على المقومات والبنية التحتية لجمهورية اليمن الديمقراطية التي كانت ملء سمع وبصر العالم اجمع ، لم تتوقف البتة وهو الأمر الذي جعل الجنوبيين ينتفضون في العام 7/ 7 / 2007م ويعلنونها ثورة عارمة عمت أرجاء الجنوب قاطبة ، وكانت تتويجاً وامتداداً للحركات والكيانات الثورية التي ظهرت على الساحة الجنوبية وأبلت بلاء حسناً في النضال السلمي ورفض سياسات المحتل التي ما فتئ يمارسها وهو ينتشي بنصره المزعوم : إن الأنين الذي كنا نردده / سراً غدا صيحة تصغي لها الأمم / والحق يبدأ في آهات مكتئب / وينتهي بزئير ملؤه نقم ( الزبيري ) ... وعندما رأى المحتل النموذج الحضاري السلمي لثورتنا المجيدة والذي لم يسبقنا إليه احد من العالمين ؛ فاستطعنا من خلاله أن نوصل قضيتنا للعالم اجمع ونسمع من به صمم ، جن جنونه وأخذته العزة بالإثم ومزيد من القتل والتشريد والاعتقالات والقمع ، وحاول جاهداً إيقاف قطار ثورتنا الميمونة مستخدماً كافة الطرق والأساليب ؛ فتارة بالترغيب وشراء الذمم بالمال والعطاء الجزيل والمناصب الرفيعة والقصور المنيفة والسيارات الفارهة ، وتارة أخرى بالترهيب والقمع والقتل والاعتقالات حتى وصلت به الجرأة إلى توقيف المرتبات ، ولكنه ومع ذلك لم يستطع كبح جماح ثورتنا التي ستستمر جذوتها مشتعلة حتى المحطة الأخيرة وهي محطة استعادة الدولة بإذن الله تعالى .... وما يؤخذ على الجنوبيين أنهم استصغروا من قدر ثورتهم التي سبقت ثورات الربيع العربي ، وانزلوها بمنزلة الحراك الذي كما هو معروف نشاط سياسي طبيعي يحدث في كل دول العالم ويكون في إطار النظام والقانون ولا يتعدى المطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية وغيرها أما الثورة فهي حالة استثنائية تجبر الشعوب - على مضض - على امتطاء صهواتها ومكابدة أهوالها واحتساء مرارتها وتبذل الغالي والنفيس من اجل خوض غمارها والوصول إلى الحرية والانعتاق والكرامة كما هو الحال لدى شعب الجنوب الذي يكافح من اجل حريته لا من اجل إصلاحات سياسية أو اقتصادية ، فلماذا لا نطلق على حراكنا الذي قزم نضال شعب الجنوب بالثورة ونرمي بهذه الكلمة ( كلمة الحراك ) التي لا ترقى إلى ما قدمه شعبنا الجنوب العظيم من تضحيات جسام إلى ما وراء الميتافيزيقيا ؟ ... في حين نرى أن أبناء الشمال قد جعلوا من الحبة قبة وصموا الآذان بثورتهم التي لا تعدو أن تكون في حقيقتها إلا حراكاً سياسياً لا يمت للثورة بصلة فالعالم قد صنفها بالأزمة السياسية وحتى الساسة اليمنيين يرونها كذلك ومع ذلك نراهم يصفون حراكهم بالثورة ، ولله در الشاعر الكبير احمد مطر الذي قال متنبئاً قبل عقود من الزمن : .... للموثقين على الرباط رباطنا / والصانعين النصر في صنعاء / ممن يرصون الصكوك بزحفهم ويناضلون براية بيضاء / ويسافحون قضية من صلبهم / ويصافحون عداوة الأعداء / ويخلفون هزيمة لم يعترف / احد بها من كثرة الآباء / الهاربين من الخنادق والبنادق / للفنادق في خدمة العملاء / القافزين من اليسار إلى اليمين / إلى اليسار كقفزة الحرباء / ولمن يرصون السلاح وحربهم / حب وهم في خدمة العملاء .