لم يكن الشاب جنبلاط صالح فضل العلوي يعلم بان مواقفه النبيلة والإنسانية ووقوفه إلى جانب إخوانه الجنوبيين المدافعين عن الأرض والكرامة سوف تكون ثمناَ لحياته ونهاية لمشوار حياته القصير بعدد الأيام والسنين والكبير بمواقفه الشجاعة وأخلاقه التي عرفه بها الصغير والكبير , فذاك حي عمائر الجيش في منصورة عدن مازال شاهدا على شجاعة ومواقف وأخلاق شاب ثلاثيني أذهل الجميع بمواقفه وأخلاقه وابتسامته التي لم تفارق محياه حتى وهو مسجّى على سرير المشفى الذي لفظ أنفاسه الأخيرة فيه . ينتمي الشهيد جنبلاط المولود في 24/9/1980 م إلى منطقة "القشعة" حاضرة بلاد العلوي بمديرية الملاح بمحافظة لحج , وينحدر من أسرة عريقة معروفة قدمت ثلاثة شهداء , فهو نجل الشهيد الطيار الجنوبي صالح فضل سعيد العلوي الذي استشهد في حادثة سقوط طائرة الانتينوف العسكرية عام 1992م التي كان يقودها واستطاع تفادي وقوع كارثة إنسانية عندما تمكن من قيادة الطائرة التي تعرضت لخلل فني وكادت تسقط على مساكن المواطنين بعدن وإخراجها إلى منطقة خالية من السكان وجده (فضل سعيد العلوي) المعروف سيطا وخدمةً للناس كافة في مجال الطب بشتى أصقاع ردفان . والشهيد جنبلاط هو ابن أخ الشهيد محمود فضل سعيد الذي استشهد خلال حرب يناير 1986م متزوج و أب لطفلين هما , صالح و نيفين . قصة كفاح درس الشهيد جنبلاط وترعرع في حي عمائر الجيش بمنصورة عدن , حيث تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة الفقيد سعيد ناجي ,وأكمل دراسته الثانوية في ثانوية النعمان بالمنصورة . لم يتوقف طموح ذلك الشاب بالحصول على الشهادة الثانوية رغم الظروف المعيشية الصعبة وتحمله مسؤولية رعاية إخوته الصغار بعد استشهاد والده بل ان العزيمة والإصرار كانتا الدافع والمحرك لطموحاته وآماله التي أوقفت عجلة سيرها أيادي الإجرام قبل ان تتحقق , حيث واصل دراسته الجامعية حتى اكملها وحصل على شهادة االبكالوريوس في إدارة الأعمال .. كغيره من شباب الجنوب من حملة الشهادات الجامعية والمؤهلات العلمية ,فقد تم حرمان الشاب جنبلاط من حقه في الحصول على وظيفة عقب تخرجه مباشرةً تمكنه من إعالة أسرته وبناء مستقبله الذي كان ينشده ويحلم به, كما لم تشفع له المكانة المرموقة التي كان يحتلها والده وتبوء من كانوا معه من الأصدقاء مناصب قيادية من الحصول على وظيفة , حيث حصل بعد عناء وجهد كبير على وظيفة في مكتب التجارة والصناعة . الشهيد جنبلاط متزوج وأب لطفلين هما نيفين وصالح .. تفاصيل مؤلمة في 9:15 مساء السابع من يوليو 2015 المشؤوم "20" رمضان 1436ه المبارك خرج الشاب جنبلاط صالح من منزله في حي عمائر الجيش على وقع قذائف الكاتوشا التي أطلقتها مليشيات الحوثي على الحي السكني , خرج مسرعاً لإنقاذ حياة أحد النازحين الذين قدموا إلى الحي والذي أصيب في ذلك القصف , حيث قام الشاب جنبلاط بإسعافه والمخاطرة بحياته لإنقاذ المصاب ويدعى "الصلاحي " وإيصاله إلى مستشفى الوالي غير ان الجريح وصل إلى المستشفى جثة هامدة . عاد الشاب جنبلاط إلى الحي لإخبار أقارب الشهيد وإبلاغ إمام المسجد الواقع في الحي لإحضار الشهيد"الصلاحي " لتغسيله وتجهيزه والصلاة عليه . وبحسب رواية الشاب (محمد) شقيق الشهيد جنبلاط والذي كان بجانبه قبيل استشهاده بلحظات "والذي رواها ل"الأمناء" بحسرة وألم ومرارة مسترسلاً بالقول : " عند خروج جنبلاط من المسجد لإحضار جثة الشهيد "الصلاحي" إلى المسجد سقطت قذيفة كاتوشا أخرى بجانب منزلنا حضر جنبلاط بسيارته إلى المنزل وكنت بجانبه فذهبت لإسعاف الأسرة التي أصيبت بجوارنا حيث أصيبت الأم واثنتان من البنات , توفت الأم وإحدى البنات , وبعد إسعافهم سقطت قذيفة أخرى ' ولكنها هذه المرة لم تستهدف الحجر ولا الشجر ولا مكان آخر بل إنها استهدفت المدينة بأسرها , استهدفت "جنبلاط" الذي كان واقفا بجانب سيارته ". تعطلت لغة الكلام يصمت الشاب () برهة من الزمن والعبرات كادت تقطع صوته من الحزن والألم وهو يروي تفاصيل استشهاد شقيقه , بعد برهة من الوقت واصل سرد التفاصيل بالقول : " سقطت القديفة على بعد مترين من مكان تواجد جنبلاط فتناثرت الشظايا إلى أماكن عدة ولكنها لم تخطئ أخي , حيث اخترقت إحدى الشظايا صدره النقي , ليسقط على الأرض مضرجا بدمائه , ذهبت مسرعاً إليه وحاولت رفعه من مكان الحادث حيث كان المكان مشتعلاً بالنار بسبب السيارات التي اشتعلت النار فيها , ضممته إلى صدري , مرات ومرات وأنا أتأمل إلى عينيه الغائرتين , اللتان كان يحاول بهما أن يطمئنني ولكني أدركت بأنها نظرات مودع , وتمالكت نفسي وقمنا وبمعية بعض المواطنين الذين هرعوا إلى المكان بمحاولة إسعافه وإيصاله إلى مستشفى الوالي ولكن كانت مشيئة الله وإرادته فوق إرادتنا , حيث فاضت روح جنبلاط إلى بارئها قبل ان يصل إلى المستشفى , شعرت حينها كأن روحي وليست روح جنبلاط قد خرجت عن جسدي , نعم , سمعت الدكتور ومن كان بجانبه يتهامسون بأنه قد فارق الحياة وأن لا فائدة من أي محاولات لكون الشظية مزقت أحد الشرايين وأحدثت نزيفاً داخلياً حاد , كانت الساعة حينها الحادية عشر ليلاً .. بعد منتصف الليل وقبل أن يصدح صوت الحق معلناً بزوغ الفجر كان جسد الشاب جنبلاط قد ووري الثرى في مقبرة المدينة ,وسط صمت رهيب خيم على المكان , فلا تسمع سوى بعض الهمسات والعبرات , فما من أحد إلا ذرفت عيناه بالدموع لفراق ذلك الشاب الذي عرفه الجميع بأخلاقه وتواضعه . عاد إخوته وأقاربه وأصدقاؤه إلى الحي يتلمسون في زواياه لعلهم يجدون أي أثر أو ذكرى لذلك الشاب , فيما يتساءل البعض منهم في قرارة نفسه , هل فعلاً مات جنبلاط وانتهى إلى الأبد ؟ لتأتي الإجابة , لا لا لم يمت بل نحن الأموات , نحن المعذبون , فالشهيد حي لايموت لا يموت لا يموت .. رحم الله الشهيد جنبلاط العلوي وسائر شهداء الثورة الجنوبية والمقاومة وأسكنهم فسيح جناته . * صحيفة الامناء