في جزئي المقالة السابقين اوضحنا مايؤكد وجود النية المبيتة -مع الأسف- لدى الاطراف الشمالية الفاعلة بالنكوث بأي اتفاقات مع الطرف الجنوبي تؤدي الى ارساء اسس جديده لبناء الدولة اظهرت الحقائق على الواقع مايمكن ان يقال عنه غدرا باتفاقات اجمعت عليها كل القوى، ندعو الصادقين مع انفسهم اليوم إلى تذّكر كيف ان المنتصرين في الحرب الظالمة على الجنوب عام 1994م قد وصفوا وثيقة العهد والاتفاق بوثيقة الخيانة والعمالة رغم احتوائهاعلى اغلب مضامين النقاط الثمانية عشرة التي كان يزايد بها هؤلاء اثناء حوارات ازمة الاعتكافات . مدينة عدن واليمن الاسفل كما مثلت عواصم دول الخليج والسعودية قبلة لملايين من العمالة الوافدة من كل الاصقاع وخاصة بعد حرب اكتوبر التي رفعت اسعار النفط العربي فقد مثلت عدن وبعض المدن المجاورة لها في الجنوب قبلة الوافدين اليها والهاربين من الجوع والمرض والاضطهاد منذ اوائل القرن العشرين على ان الغالبية قد كانوا من المناطق التي كان يطلق عليها في ستينيات القرن الماضي باليمن الاسفل (أب -تعز) وكما تعاملت دول الخليج والسعودية. تعاملت السلطات الانجليزية مع كل الوافدين الى عدن وهوا نفس النمط والاجراءات التي تعاملت بها ايضا السلطات الشمالية تقريبا مع كل النازحين والهاربين من الجنوب منذ الاستقلال الى مابعد الوحدة .؟ مثالية مشبوهة في الجنوب بخلاف كل بلدان الدنيا على الاطلاق قامت السلطات الحاكمة حديثا بالجنوب وخاصة المنتصرة في الثاني والعشرين من يونيو 1969م بانتهاج اسلوب الدمج الكامل ليس لكل الشماليين المقيمين بالجنوب عند الاستقلال فحسب وانما لكل الشماليين الذين قدموا لاحقا -وهم كثر- الى الجنوب ولأي اسباب كانت وبالتالي سمحت لهم بأن يتبوؤا الوظائف العادية والمهمة ابتداء من الجهاز الإداري والمحاسبي الى القوات المسلحة والمخابرات والعمل الدبلوماسي والامن العام وحتى مراكز صنع القرار في المواقع العليا، يقابله سياسات ادت الى نزوح واقصاء مئات الالاف من ابناء الجنوب وقواه الفاعلة لصالح النهج الذي اصبح في الحقيقة مظلة لكل شمالي للاستحواذ على أية مصلحة يريدها أو يطمح اليها حتى وان كان لايحمل أية قناعات بهذا النهج الماركسي، الذي اصبح سيفاً مسلطاً على كل جنوبي يحدد او يقول راياً محترماً لايتفق ومصالح آخرين من القادمين او الحاضنين . قمة الصبيانية والطفيلية كان الشهيد فيصل الشعبي -رحمه الله- يريد ان يضع اعتباراً للشخصية الجنوبية فذهب ضحية لذلك ثم ذهب الرئيس سالمين -رحمه الله- الذي اراد ان يضع حداً لانخراط القوى السياسية الشمالية في صنع القرارالجنوبي، فجاءت حركة ماسماها يساريو الجبهة القومية باليسارية الطفيلية بأكثر السلوكيات طفيلية وصبيانية في آن واحد, إذ بينما كان يفترض منهم -وبعد مرور مايزيد قليلا على عقد من زمن استقلال الجنوب- القيام بإجراءات تؤدي الى انفتاح -ولو نسبي- على بعض القوى الاجتماعية الجنوبية التي مورست تجاهها ابشع انوع التعسف والاقصاء والتهميش, فإن القوى المنتصرة في السادس والعشرين من يونيو1978م اعلنت عن بدء حوار سياسي مع سبعة احزاب شماليه تكلل بشكل سريع وعجيب عن دمجها في كيان سياسي واحد مع الجبهة القومية الموحدة وانصهارها في منظومة النظام السياسي القائم على الارض الجنوبية ولكم ان تتصوروا حال الجنوبيين مع وضع كان فيه صانع القرار على ارضهم في الواقع وقبل إعلان الوحدة بأكثر من اثني عشر عاما عبارة عن خمسة احزاب شمالية مع حزب جنوبي شمالي هوا الجبهة القومية الموحدة الذين هم اليوم (الحزب الاشتراكي اليمني). شمالٌ مختلف كلياً كان المقابل لهذا الوضع الجنوبي النشاز سلوكا لايمكن القول عنه الا انه سلوك دولة في الجمهورية العربية اليمنية واظن ان تقييمه بالمعيب ( واقصد هنا تجاه الجنوبيين ) غير وارد ان كنا ننظر للمسألة من منظار دولة تحترم نفسها، اذ لايعني اطلاقا ان النظام القائم على الارض الجنوبية وهو -كما قلنا- سلوك طفيلي وصبياني، قد كان صحيحاً على الاطلاق حتى وان سلمنا بكل معاني الوطن الواحد والدولة الواحدة فإن الاخوة في الشمال كانوا يتصرفون من واقع الدولتين والشعبين المختلفين ولاداعي هنا للخوض في تفاصيل مايؤكد كل ذلك . لقد كان التعامل مع الجنوبيين الى مابعد تحقيق الوحدة عبر الجهاز الامني وهذا بالضبط مايجعل المسألة تعامل مع وضع شعب يعيش مأساة مع دولته وانني هنا أؤكد بأن أي استثناءات ربما يذكرها البعض لامعنى لها بالمنظور العام للمسألة . مأساة المعتدلين الجنوبيين هناك مأساة كبيره للمعتدلين الجنوبيين في النظر الى طرق الحل للقضية الجنوبية ولعلني أرى في نفسي احدهم وهو انه بينما نرى في احيان كثيرة إمكانية الحل عبر المحافظة على الدولة الواحده وذلك من خلال الاتحاد الفيدرالي والذي نرى فيه حقيقة مصلحة كبيرة للجنوبيين تماما كما هي مصلحة للاستقرار وللشمال كذلك حيث لانحمل أي مواقف عنصرية او احقادية او كرهاً تجاه أي انسان أو فرد لاناقة له ولاجمل ممايجري فإننا نواجه حرباً ظروساً من إخواننا الجنوبيين يسجلون علينا فيها نقاطاً لصالحهم بسبب تصريحات وآراء بعض القوى الفاعلة الشمالية في النظر الى طرق الحل ومنها مايصرح بها البعض من الرفض للفيدرالية والرفض لتطبيق القوانين -مع الاسف- وقد تندر الكثير من الجنوبيين في سخرية من آرائنا عن مقابلة مع احد المشائخ الكبار منذ اكثر من شهر عندما اعلن رفضه تطبيق القانون وادعاءه بأنه يتعارض واعراف القبيلة. وانطلاقا من كل ذلك فإننا نتمنى ان يتفهم الاخوة الشماليون الصادقون لكل تحفظات ابناء الجنوب وخوفهم من استمرار مسلسل الاقصاء والفوضى والعشوائية، مؤكداً ان المجال طويل ان اردنا ان نضيف ما يدلل اكثر على اطروحاتنا . انني اتساءل مع الجميع كرأي عام شمالي وأقول هل باستطاعتهم فقط الضغط على القوى السياسية التي كثر صراخها ايامنا هذه عن الدولة المدنية كما اقول هل بمقدورهم ان يجعلوا فقط كبار القوم يعلنون تبنيهم لبرنامج سريع يتضمن اعلان إنهاء كل قضايا الثأر وتكليف الحكومة التعامل مع أية قضية جديدة كقضية جنائية يطارد مرتكبها والاعلان عن برنامج منع القات في المحافظات التي كان ممنوعا عنها قبل الوحدة والاعلان عن تطبيق تجربة منظمة لجان الدفاع الشعبي وليكن تغيير اسمها بما يحبون وان كان منظمة لجان الدفاع الاسلامي لأن المهم المضمون الذي يقضي على مسلسلات شيخ الجعاشن واخواته اواخوانه ولاضير هنا ان كانت التجربة قادمة الينا من الدولة الكوبية حيث وقد اشاد -المغفور له إن شاء الله- الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر بالرئيس والتجربة الكوبية، كما ان اخواننا السلفيين قد اقتنعوا اليوم بعد تلكك دام عقوداً من الزمن من الانخراط في العملية الديمقراطية التي كانوا يظنون بأنها غربية وكافرة . ان موقفا من هذا النوع تسارع اليه القوى الشمالية لاحقا بالتطبيق العملي من شأنه ان يغير الكثير من المفاهيم التي يشعرون بالضيق منها عند سماعها من اخوتهم الجنوبيين . وفي ختام هذه المقالة فإني ادعو القارئ العزيز الى مراجعة العدد القادم من صحيفة الوسط حيث آمل موافقتها على نشر مقالة سابقة