يكاد يكون اسمها رديفاً لثورة 11 فبراير 2011م، ولطالما رددت ذلك وسائل إعلام نظام علي عبد الله صالح. حققت حضورها السياسي من خلال دفاعها عن الحقوق والحريات الصحافية، ووقوفها ضد محاكمات الصحافيين التي أدارها النظام. منذ تأسيس مؤسسة "صحافيات بلا قيود" التي ترأسها، كانت مثار جدل دائم حتى في أوساط شباب الثورة لاحقاً؛ ومنذ إعلان فوزها بجائزة نوبل في 7/10/2011م صارت محط أنظار العالم، وازداد الجدل حولها، هي التي ساهمت في تأسيس مجلس شباب الثورة ورأسته وما زالت، وكان لها دور كبير في التأسيس لساحة الإعتصام وإشعال الإحتجاجات التي أسقطت علي صالح. توكل التي تحمل شهادة البكالوريوس من كلية التجارة في جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء، تحمل أيضاً دبلوم في علم النفس التربوي من كلية التربية في جامعة صنعاء. صحافية نشيطة وكاتبة رأي، من مواليد 1979م، اشتهرت بمعارضتها الشديدة لنظام صالح، وقادت ضده عشرات المظاهرات والإعتصامات منذ عام 2008م. عندما أثيرت قضية مهجري الجعاشن في العام 2010م والانتهاكات التي حدثت بحقهم بعد نزوحهم إلى صنعاء، تخاذل حينها كثير من نشطاء ومؤسسات حقوق الإنسان في العاصمة عن الخوض في هذه القضية لاعتبارات متباينة، وتضامن معهم بعض النشطاء في منظمات المجتمع المدني والصحافيين. كانت توكل كرمان أكثر الأصوات المتضامنة صخباً وإزعاجاً لنظام صالح بتضامنها وتبنيها للاحتجاج التصعيدي أمام مجلس النواب. توكل التي ترى أنه "على المرأة التي تعزم على العمل في الشأن العام أن تخلع النقاب حتى تكون قوية ورسالتها واضحة"، استطاعت أن تقتحم مقاعد مجلس شورى "الإصلاح" بفوزها بأحد المقاعد، وهناك أصبحت الصوت الأنثوي الصاخب الذي انزعج منه كثيرون من متشددي "الإصلاح" مراراً، بعدما بات يشاركهم المكان نفسه، ويتهدد الإستحواذ الذكوري على الحزب. إستحواذ يعتبره الجناح الأكثر تشدداً بداهة، داعياً إلى الإقتصار على من يعتقد أنهم "علماء الأمة". ظل هذا الجناح يتداول تلك الرؤية ويكرسها منذ إعلان التأسيس، علماً أن أغلب قياداته من المقربين من صالح، وهي نفسه الجناح الذي عرف عنه استخدام خطبة الدينية للتحريض ضد دعاة المساواة بشكل عام. وبالرغم من أنها "إصلاحية"، فإنها تحظى بسيل وافر من العنف والتهجم اللفظي من عدد من متشددي الحزب وتلامذتهم، خاصة منذ منحها جائزة نوبل، وما تلاها من مواقف كانتقادها للرئيس محمد مرسي ودعمها للجماهير في 30 يونيو، وتلك من المبررات التي يتخذها مهاجموها من المتشددين ذريعة كلما عززت موقفها وتواجدها على المشهد السياسي أو الدولي، باعتبارها من دعاة التغريب، وتخدم أجندة غريبة، بل وصل الإتهام من قبل عبدالله العديني إلى أنها "ضمن التيار الذي تم إعداده للقضاء على الإسلام المتشدد، الذي يستمد منهجيته من منهج محمد بن عبدالله، واستبداله بإسلام أمريكي معتدل مفصل من قبل عملاء أمريكا... إلخ"، وهناك ما هو أعنف. إنفردت توكل بالدعوة إلى مسيرات غير مدروسة كلفت "الثورة" الكثير في ساحة الحرية بصنعاء لم تنقد توكل إلى المهادنة التي أبداها "الإصلاح" وأحزاب "اللقاء المشترك" مع صالح في البداية، وانحازت إلى حماسها المشبوب بعاطفة كبيرة، جعلتها تتجاوز الإنتماء الأيديولوجي، بل إن حماسها ذلك جعلها تعلن استقالتها من شورى "الإصلاح". غير أن الإنحياز ضد قرار الجماعة لا يعني فك ارتباط فكرياً معها، فذلك يحتاج إلى مخزون معرفي وفكري قادر على تفكيك منظومة الأيديولوجيا والتمرد عليها بهدوء، ولكن كان ذلك تلبية للنزعة الثورية الداخلية عند توكل، على الأقل، تعبيراً عن حالة عدم الرضا عن مواقف الحزب وقياداته المتحكمة به أيضاً، بينما كانت قيادات الحزب الأكثر ليبرالية تتعامل مع الإعتصامات باعتبارها وسيلة ضغط على نظام صالح لتحقيق مكاسب سياسية مباشرة، أو ستتم الإستفادة منها لاحقاً، ولذلك التف "الإصلاحيون" - بتوجيهات القيادة - حول توكل - بعلمها أو بدونه - في خطوة أولى للسيطرة على قرار الساحة، من خلال الضغط الجماهيري. واستطاع "الإصلاح" إزاحة الأعضاء المستقلين من لجنة ساحة الحرية، وتحويلها من لجنة خدمية إلى لجنة سياسية تتخذ القرار عن الساحة وتسييرها، وأخذ يقوي بها مواقفه السياسية ويتخذ قراراتها فاستبعد كل من يمثل أو يحمل مشروعاً مدنياً. واستطاعت توكل لعب دور القائد في ساحة التغيير، من خلال نشاطها الحقوقي السابق ضد النظام، بالإضافة إلى الثقل السياسي لحزب "الإصلاح"، ودور مؤيديها الذين وجدوا في توكل وخطاباتها الحماسية ما يعبر عن احتقانهم ضد نظام صالح. ذلك الإلتفاف جعل توكل تنفرد بالدعوة إلى الخروج بمسيرات غير مدروسة وغير مخطط لها، وكلفت شباب "الثورة" الكثير، في مقابل أنها أيضاً لم تجن مكسباً ملموساً يحقق للثورة خطوة أكثر رسوخاً، بالرغم من أن بديهيات الإحتجاجات المدنية أن لا يحدد سقف لأي احتجاج، ولا يتحدث أحد باسم المحتجين أو يختزلهم في آرائه الشخصية ويعتبر نفسه ممثلاً عن الساحات ومتحدثاً بالنيابة عنها كما فعلت توكل، سواء بصفتها الشخصية أو عبر ممثليها دائمي الظهور على قناة "الجزيرة". وذلك لا يمكن تفسيره إلا بالجهل التام بالتفكير الإستراتيجي للاجتجاجات الجماهيرية ومراوغة السلطات، ويكشف النزعة الذاتية وحب الظهور الإعلامي والهوس بالزعامة الثورية، وهو الظهور الذي دوماً ما كان يقدم ثورة 11 فبراير تقديماً قاصراً وبلا تكتيك ثوري، بغض النظر عن من كان الموجه والمتحكم الفعلي بقرارات الساحة. أقول إن توكل استغلت ذلك التأييد الذي حظيت به استغلالاً في غير محله للتعبير عن حماسها والانقياد له، كون القرار الجماعي كان ممكناً، والوقت متاحاً لتطوير آليات ديموقراطية داخل ساحة الإعتصام لتدارس الخطط والمسيرات السلمية التي تجنب الساحة الخسائر البشرية، وتوصل الرسالة الثورية بشكل صحيح، بل وتتعاطى مع التطورات السياسية الموازية وردات الفعل لدى نظام صالح بالشكل الصحيح، ولا تستسلم للعواطف التي ولدتها موجات التأييد للساحة، وتغض الطرف عن سلبيات انضمام البعض، مما يتناقض مع بديهيات الإحتجاجات السلمية ضد صالح وفساد نظامه؛ كما حدث - على سبيل المثال - عند انضمام الحوثيين إلى اعتصام الساحة السلمي دون إعلان تخليهم عن السلاح، وأيضا انضمام علي محسن وهو ثاني الأسماء من نظام صالح في القائمة التي علقت على يمين منصة الإعتصام. فخلال تلك الفترة بالذات، كثيراً ما تعودنا أن يأخذها الحماس بعيداً عن الحسابات لاحتمالات النتائج وتوقعاتها، واتسمت بشخصية عاطفية متغيرة المواقف تجاه عدد من القضايا؛ ففي أحاديثها الصحافية منذ 2011 وحتى فترة متأخرة جداً تتخذ قراراتها بناء على ما تمليه العاطفة المعززة بشيء من المعلومات - ولا أقول المعرفة - السطحية وذلك تبعاً للمواقف، سريعة التأثر، وتبتعد كثيراً عن الموضوعية. وفي كثير من الأحيان، تكشف عن فجوة في حساباتها أو تسرع في إصدار الأحكام - خاصة في ما يتعلق ببعض المواقف السياسية - ولذلك يتهمها كثيرون بأنها متبدلة المواقف، وبتعبير أكثر حدة، بلا مبدأ، فيما قد يراه البعض محاولة منها للسباحة عكس التيار للفت الإنتباه، لكنها ترد على ذلك بقولها "الجهات أو المؤسسات التي تتخذ مواقف متناقضة هم من يجعلوني أتخذ مواقف متقلبة تجاههم تارة بالإشادة وتارة بالإدانة"، لكن تبريرها لا ينطبق على كافة المواقف التي تناقض فيها توكل نفسها، مع تأكيدي أن مراجعة المواقف تجاه القضايا مهم شريطة الإيضاح للرأي العام والمؤيدين. من يتابع الخطابات والحوارات الصحافية التي أجريت مع توكل كرمان مؤخراً يلمس فيها تغيراً إيجابياً، ويجدها أكثر وعياً وعقلانية. تحاول أن تبتعد عن الرطانة الأيديولوجية، وتستند إلى معرفة بسيطة تحاول بها المواءمة بين الشخصية السياسية التي تسكنها وتحاول الخروج وشخصية الناشطة النوبلية التي ألبستها إياها الجائزة. فمن حين إلى آخر، تكشف عن وعي أكبر لدورها الإنساني في الآونة الأخيرة كفائزة ب"نوبل للسلام" أكثر مما بدت عليه سابقاً، وهو ما يظهر شخصية صارت أكثر مرونة وعقلانية، وتتعلم من مواقفها السابقة. وأعتقد أن التثاقف الفعال بين الدائرة الضيقة وجماعة الأصدقاء الأكثر قرباً منها ساهم في ذلك، إذ غالباً ما يكون الأصدقاء الموثوقون بمثابة المستشارين غير المعينين، خاصة وأن كثيراً من مثقفي الثورة الليبراليين يتواجدون بالقرب منها، سواء في اسطنبول كلاجئين، أو كرفقاء مشاركين في مؤتمرات عالمية وندوات. حالياً، تنشط في المحافل الدولية، تحكي مأساة هذا الوطن، من وجهة نظرها، انطلاقاً من مقر إقامتها في تركيا التي منحتها جنسيتها، وأسست باسمها مؤسسة لحقوق الإنسان تكريماً لها، بالإضافة إلى ترأسها لمجلس إدارة قناة "بلقيس" التلفزيونية التي تملكها. وقد استطاعت توكل أن تلفت انتباه المجتمع الدولي إلى قضايا إنسانية هامة، في الوقت الذي يغيب فيه أي دور لحكومة "الشرعية" في الرياض وقنواتها عن ذلك. وفيما لم يُسمع صوت للحكومة إزاء النداءات المتكررة بارتفاع مؤشرات كوارث إنسانية كالمجاعة في الحديدة، تولت توكل لفت انتباه العالم نحوها في حفل تكريمها بجائزة الحرية، حيث تبرعت بقيمة الجائزة المالية لصالح جهود الإغاثة في مديرية التحيتا بتهامة.