رب ضارة نافعة، ورب إحجام من دول الخليج عن تقديم دعم مباشر لحكومة الوفاق لتغطية العجز القائم في الموازنة العامة للدولة يكون فاتحة خير وخطوة باتجاه إصلاح مالي وإداري فعلي.. الحكومات اليمنية المتعاقبة ظلت تتعامل مع الأوضاع كشاب لديه أخوة مغتربون يعطونه مبلغا شهريا فأصبح لا يفكر بالعمل والدخل، ولا يرى جدوى من الشغل طالما الحوالات تأتيه نهاية الشهر وتغطي كافة مصروفاته لكن بعد فترة زادت تكاليفه وجفاه إخوته فأصيب بنكسة، ودولتنا ظلت تتحصل ما تيسر من الإيرادات، والأشقاء في دول الجوار يغطون ما نقص الأمر الذي أغراها وجعلها تتراخى في إجراء عملية إصلاح شامل في البلد، ولم تكتف بذلك بل صارت "تتقبيل" وتقدم إعفاءات لرؤوس الأموال بمليارات الريالات وتمنح المناقصات والقطاعات النفطية لنافذين ومشايخ مصاريف!! جاءت حكومة الوفاق ومضت على نفس المنوال، وكانت تظن أن دول الخليج لن تبخل عليها باعتبارهن راعيات للتسوية السياسية في اليمن ومصلحتهن نجاحها، وبالفعل قدم العاهل السعودي منحاً نفطية غطت العجز في موازنتي 2011م و2012م لكن الوضع تغير في 2013م حيث فشلت القيادة السياسية في استخراج دعم مالي من الخليج وتحديدا من السعودية وقطر لأسباب غامضة، ويبدو أن زيارة اللواء علي محسن للمملكة الأسبوع الماضي محاولة أخيرة لإقناع السعودية بالتدخل لإنقاذ وضع الموازنة اليمنية لكن نتائج الزيارة لم تعرف بعد.. الوضع الصعب للموازنة في ظل جفوة غير مسبوقة من الأشقاء اضطر حكومة باسندوة لإقرار مشروع السقوف التأشيرية للموازنة العامة للدولة للعام القادم، بمعنى أن كل وزارة تعد موازنتها في ظل مبلغ معين لا تتجاوزه لمحاصرة العجز، وهي خطوة إذا تمت بطريقة مدروسة بالإمكان أن تقود لوضع موازنة حقيقية، وعلى وزارة المالية استيعاب ملاحظات الوزارات والجهات ومراجعة عملية التنفيذ الحالية لتقديم نموذج يحتذى به، ولا زال في الوقت متسع للقيام بذلك.. الموازنة بحاجة ماسة لإصلاحها، والخوف أن تدخل الخلافات بين الوزراء ويتم التلاعب بالوقت وبالأخير يتم اعتماد موازنة العام السابق نظرا لضيق الوقت وتأخر بعض الجهات، والخوف أيضا أن الجهات الحكومية لا تأخذ الموضوع على محمل الجد فربما قد أصيبت بالإحباط من إعداد موازنات خلال الفترات الماضية لم تؤخذ بعين الاعتبار، ومن يضمن لهم أن المالية لن تعمد إلى قصقصة الموازنة وإفراغها من مضمونها؟! هذه المخاوف تجلت في حديث وزير المالية في اجتماع مجلس الوزراء الأربعاء الماضي عندما قال إن الوزارة ومن خلال الفرز والتحليل للمقترحات المرفوعة من الوزارات والجهات لاحظت المبالغة في وضع التقديرات وبصورة غير موضوعية، وأن الزيادة في بعض الجهات فاقت نسبة 100% من سقوفها التأشيرية السابق عرضها على المجلس.. وهذا يستدعي من المالية طمأنة الجهات الحكومية بعدم المساس بموازناتها طالما أنها في إطار السقف المحدد والتأكيد على أن أي تعديل في البنود سيكون بموافقة الجهات.. اجتماع مجلس الوزراء تطرق لقضايا هامة تتعلق بإعداد الموازنة وبانتظار التنفيذ من قبيل التقشف والبحث عن موارد محلية آمنة وغير تضخمية وغيرها، وطرحت نقطة في غاية الأهمية تتعلق بإصلاح نظام الحوافز والمكافآت، وهو نظام قائم على الظلم والتمييز بين الموظفين بصورة عجيبة بينما الجميع موظفين لدى الدولة، ويفترض أن حوافزهم ومكافآتهم متساوية أو حتى متقاربة.. موظف في جهة حكومية يستلم راتب إكرامية في رمضان ونصف راتب كل عيد، وموظف في جهة رسمية أيضا لا يتقاضى ريالا واحدا.. موظفون في مصلحة حكومية لديهم تأمين صحي ويتعالجون في أرقى المستشفيات الخاصة بموجب هذا التامين مقابل مبلغ مالي بسيط، وموظفون في مصلحة أخرى بدون تأمين وكأنهم ضد المرض، وإذا مرض أحدهم يموت في بيته لأنه عاجز عن دفع قيمة عملية جراحية.. جهة حكومية تصرف لكل موظف ألف دولار سنويا كبدل علاج وتذكرة سفر، وموظف في جهة أخرى يعجز عن الحصول على عشرة آلاف مساعدة علاجية.. مصلحة حكومية أجور العمل الإضافي فيها ضعف جهات أخرى، ومؤسسة لديها صندوق تكافل اجتماعي ومؤسسة بدون، وهذه التباينات أحدثت مشاكل في كثير من المؤسسات بين الموظفين والمسؤولين!! وزارة يتقاضى فيها الموظف ثلاثة أضعاف راتبه شهريا تحت مسمى حوافز ومستحقات، وموظف في وزارة لا يتقاضى ريالا واحد فوق راتبه، ووصل الأمر إلى حد أن موظفا في جهة يتقاضى مائة ألف ريال مكافأة شهرية وموظف في نفس الجهة ولكن في فرعها بإحدى المحافظات يتقاضي ثلث المبلغ، وهو ما جعل الموظفين يحرصون على الانتقال للعمل في الدواوين الرئيسية والعزوف عن العمل في الفروع بالمحافظات.. كلهم بشر وموظفون لدى الدولة ولديهم أطفال وعليهم التزامات وبحاجة لنفقات وعيش كريم، وتمييز البعض بدعوى أنهم موظفين في مؤسسات سيادية أو جهات إيرادية بينما كلهم يؤدون نفس المهام ويبذلون نفس الجهد جريمة، والعدالة تقتضي مساواة كل الموظفين عبر إعادة النظر في نظام الحوافز والمكافآت، والأمل بعد الله في موازنة 2014م.. فهل ينجح وزير المالية في إيصال الثورة إلى موازنة الدولة؟! * رئيس تحرير صحيفة الناس