في الأعوام الأخيرة من التسعينيات لمع من داخل منتديات الشباب المؤمن الراحل حسين بدرالدين الحوثي الذي سرعان ما شكل محوراً تفوق على مؤسسي المنتديات في جذب التفاف الشباب الزيدي حوله، وحول أفكاره، وفي يناير 2002 أطلق حسين الحوثي شعار الصرخة من جبال مران بمديرية حيدان صعدة وتوسعت دائرة المرددين للشعار في المساجد إلى محافظات أخرى بينها أمانة العاصمة صنعاء، وفي 2004 حدث صراع مسلح بين أنصار الحوثي والقوات الحكومية، صار نقطة فارقة في حياة الشباب المؤمن تحول معها على المستوى العملي من مجرد حركة دينية ثقافية إلى جماعة سياسية مسلحة. وهنا نلقي نظرة سريعة على خلفية الفكرة السياسية للجماعة الحوثية المنبثقة من الشباب المؤمن بالإشارة إلى أن العالم الإسلامي انقسم منذ وقت مبكر إلى تيارين أساسيين، سني وشيعي، اتفقا على دور الدولة الإسلامية الدعوي وتطبيق أحكام الشريعة والتزام المبادئ الأخلاقية للإسلام، واختلفا في قلة انشغال السنة بالمسألة السياسية والاقتصار في علاقة المحكومين بالحكام على اجتهاد قيل أن أول من أطلقه أبو حامد الغزالي يقضي بطاعة الحاكم إلا أن يُرى منه كفر بواح، وربما جاءت قلة الانشغال السياسي للفكر السني نتيجة لسيطرة المنتمين إليه على الحكم في معظم تاريخ الدول الإسلامية. أما الفكر الشيعي فأعطى مساحة كبيرة للسياسة باعتبار الإمامة أصلاً دينياً وليست اجتهاداً بشرياً كما هي عند السنة، ولعل سبب الاهتمام يرجع لكون الحركة الشيعية بالأصل حركة معارضة في التاريخ الإسلامي أغلب الوقت. وفي الصدد انقسم الشيعة إلى ثلاث فرق رئيسية الجعفرية الاثنا عشرية وتتخذ من المعارضة الكلامية أو الفكرية والإعلامية أساساً لعلاقتها بالحكم حتى عهد صفي الدين الشيرازي وظهور اجتهاد ولاية الفقيه، وإحيائه حديثاً وتفعيله سياسياً على يد قائد الثورة الإيرانية الخميني، والفرقة الثانية هي الإسماعيلية التي اتخذت من العمل السري سبيلاً للمعارضة، وأخيراً الفرقة الزيدية التي تعتبر الخروج على الحاكم الظالم أساساً لأسلوبها المعارض. وداخل المذهب الزيدي ظهرت فرق منها ما هو قريب للسنة ومنها ما هو أقرب لأكبر المذاهب الشيعية، الجعفرية وبمقدمة تلك الفرق، الجارودية القريبة فكرياً وسياسياً للجعفرية لناحية المغالاة في موالاة الإمام علي كرم الله وجهه ولذريته من بعده، ولجهة الرأي في بقية الصحابة. ووفقاً لما تقدم يمكن وضع حسين بدرالدين الحوثي في دائرة الانتماء للفكر الزيدي الجارودي الذي يمثل والده أهم مرجعياته، مع بعض التأثر بالثورة الإيرانية، من حسين. إذن انطلقت الحوثية من صعدة المنطقة الزيدية والقبلية بامتياز، مكتسبة طابعها السياسي الثوري من الفكر السياسي الزيدي الجارودي المتأثر بالفكر السياسي للثورة الإيرانية الخمينية، ولاحقاً استقت من حزب الله اللبناني أساليب العمل التنظيمي والإعلامي دون إغفال ما أضفته تجربتها الخاصة في الكثير من نواحي تجلياتها. وعقب مرور الحركة بمنعطفي التأسيس والحرب الأولى، ثم بمنعطفي 2011، و2014 وتوسعها إلى معظم محافظات الشمال عسكرياً وتنظيمياً وجماهيرياً، واعتماداً على خلفيات النشأة والتطور يمكن توصيفها بأنها حركة فكرية ثقافية سياسية عسكرية، زيدية جارودية المنطلقات والطابع مع بعض التأثر بالفكر السياسي الثوري وبقدر من التقاليد ذات الطابع الديني، للخمينية وحزب الله. الحلقة (2).