باعتقادي أنه لا يزال من المبكر جداً كل هذا الخوف والقلق المفتعل وغير المبرر من وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة التي لم يتسلموها بعد، إلا مجازاً لا حقيقة كما في الحالة المصرية، أنموذجاً. وقبل هذا وذاك، «فوبيا الإسلام» -أي الخوف منه- هي ظاهرة غربية بحته، جاءتنا من خلفية الصراع الحضاري التاريخي بين الغرب الثقافي السياسي والعالم الإسلامي، ذلك الصراع الذي بدأ منذ ما يعرف بالحروب الصليبية، والتي أثمرت لنا في ما بعد ما بات يعرف بثقافة الكراهية والعداء لكل ما هو مسلم والخوف من الإسلام Islamophopia. وأما ما يتعلق بفوبيا الإخوان فهي حديثة نسبياً إذ تعود إلى بداية تأسيس الحركة في عشرينات القرن الماضي، وتحديداً إلى فترة ما يعرف بالتاريخ العربي المعاصر، بنكسة فلسطين عام 1948م، تلك الحرب التي خاضت غمارها حركة الإخوان ضد الانجليز والصهاينة في فلسطين واستطاعت رغم بدائية تسليحها وتدريب رجالها أن تحقق انتصارات كبيرة حينها. ومن تلك المرحلة وكل دوائر صناعة القرار الغربي بحثية وإعلامية تحذر من الإخوان وتخوف منهم، وتؤلب ضدهم كل ما يمكن تأليبه من أنظمة ونخب مثقفة خالقة صارعاً عقيما بين هذه النخب وتلك الأنظمة والإسلاميين كما تمثل الأمر بتجربة مصر الأليمة التي دخل فيها الإخوان في صراع مرير مع نظام عبد الناصر وكذا إخوان العراق ونظام صدام حسين وإخوان سوريا ونظام حافظ الأسد. وبالفعل استطاع الغرب أن يخلق فجوة بين الإخوان ومجتمعاتهم بفعل تسخير كل إمكانيات أنظمة تلك المجتمعات ضد الإخوان ومشروعهم التربوي والسياسي والدعوي، وزاد الأمر حدة حينما كان يترك المجال قليلا للإسلاميين أن يخوضوا أي انتخابات كانت تؤدي نتائجها دائما إلى تقدمهم، وكلنا يتذكر قضية الجزائر ومن بعدها حماس وغيرها الكثير. أما اليوم وقد حررت الشعوب نخبها وأحزابها وتياراتها جميعاً، وغدت قادرة هذه الشعوب على أن تميز بين مصلحها دون أي وصاية من أحد، وأدرك الغرب أنه الخاسر لا محالة نتيجة سياساته العدائية والكيدية ضد الإسلاميين بدأ هذا الغرب إعادة إنتاج سياساته القديمة ضدهم ولكن بطرق ووسائل جديدة ومختلفة هذه المرة، وأداتها هي نخب مثقفه وسياسية وإعلامية، كلها سارت في ركب الحملة الإعلامية ضد الإخوان. ورغم كل ذلك أقول إن كل هذه الحملة ضد الإسلاميين ليست بريئة بل تظهر مدى سطحية القائمين عليها وغباءهم الكبير أيضا، لكونهم يفتقرون لأبسط أبجديات المنطق البسيط ومحاولة تكذيب الواقع وتجاوزه هذا عدا عن تناقضهم الشديد مع أنفسهم وظهورهم بمظهر سخيف وساذج للغاية وذلك من خلال التالي: أولاً: من المنطق أن يعطى الإخوان فرصة كاملة، حتى يتمكنوا من تطبيق برامجهم السياسية من عدمها، ولن يتمكنوا من ذلك إلا بتمكينهم من كل صلاحية إدارة هذه الدولة أو تلك، وبعد ذلك يأتي الحكم عليهم بالسلب أو الإيجاب والحكم هذه المرة هي الشعوب التي لن يخدعها أحد كان، وعن طريق صناديق الانتخابات فحسب. ثانياً: يجب أن يُتاح للإخوان المجال تماماً لتنفيذ برامجهم، تماشياً مع الشرعية الشعبية والثورية التي صعدت بهم إلى الحكم، وذلك من خلال أن يتسلموا كل الصلاحيات العسكرية والأمنية والسياسية، أي صلاحية إدارة الدولة كاملة، لا أن يبقوا مجرد ديكور تحسيني للحاكمين من خلف الكواليس كما يريد العسكر في مصر اليوم. ثالثاً: ما يثير الاستغراب كثيراً، أن قوىٍ محسوبة على الثورة، هي الأخرى مشاركة، في هذا الردح غير الأخلاقي وغير الوطني في التخويف من الإخوان بأثر رجي، لخصومة سياسية تاريخية غدت من الماضي، الذي يجب أن لا نلتفت إليه إلا من قبيل العضة والعبرة، لا تكراره بكل أخطائه وإخفاقاته المريرة. رابعاً: ثورات الربيع العربي، غير ثورات القرن الماضي التي صعد على ظهرها العسكر إلى كراسي الحكم، وبقوا عليها حتى ضاقت بهم الشعوب من ظلمهم ونرجسيتهم وفشلهم الكبير في كل مناحي الحياة. هذه ثورات شعوب وليست ثورات نخب، وبالتالي الشعوب هي المخولة بمنح هذا الطرف أو ذلك شرعية حكمها، ومن لم يف بالتزاماته وبرامجه فسوف تلفظه الشعوب، كائن من كان، لم تعد الشعوب جاهلة وغير واعية بما ينفعها أو يضرها، ولا تحتاج لأي وصاية من أحد. خامساً: أعتقد أنه من الإنصاف والمنطق أن لا نستعجل شيئاً على الإسلاميين، ولا نقول يجب أن يمنحوا أربعة عقود أو ثلاثة من الزمن، كما منح القوميون واليساريون وغيرهم في مصر وسوريا والعراق وليبيا وتونس والجزائر وغيرها، على امتداد النصف الثاني من القرن الماضي، وإن كانت تلك الحكومات بغير شرعية شعبية ديمقراطية كالتي يمثلها الإسلاميون اليوم، ولكن نقول امنحوهم دورة انتخابية واحدة بكل صلاحيات الدولة التي كانت ممنوحة لغيرهم، وبعدها قيموا تجربتهم وانجازاتهم، فإن قدموا شيءً فهو لمصلحة هذه الشعوب وإن لم يقدموا شيء لهذه الشعوب فالقرار بيدها. سادساً: من المصادفات الغريبة والعجيبة، هو أن يتفق الجميع في التخويف من الإسلاميين، إسرائيل وإيران وأمريكا، والسعودية والخليج، والغرب الأوربي، وكل نخب المشهد العربي النرجسية التي أزعجتنا بمناداتها بالحرية والديمقراطية، فحينما حانت وأتت بالإسلاميين صناديق الديمقراطية، لم تعجبهم النتيجة، فمثل هذا الشيء يثير الكثير من الاستغراب لدي، لماذا كل هذا الخوف من الإسلاميين، وهم الذين صعدوا ديمقراطيا بإرادة شعوبهم وليس على ظهور الدبابات، وبكل يسر وسهولة يمكن إزاحتهم من خلال الصناديق التي صعدوا من خلالها، وبالتالي لا داعي لكل هذا الخوف.