تبدو تركيا في هذه المرحلة الحرجة والحساسة أمام تحدً صعب من خلال التعامل مع واقع عربي معقد لا تبدو "سوريا" سوى إحدى واجهاته.. وجزء من مشهد هنا الواقع الممتد والمتسلسل بأحداثه وتداعياته.. قبل حوالي سنتين كنت أقول لبعض زملائي الأتراك هنا في اليمن " يبدو أننا سنتعب تركيا كثيراً " تجلى ذلك من سلبية خلال اهتمام تركيا وانحيازها لقضايا "عربية " كان موقفنا العربي فيها سلبي وبارد الإحساس.. في حين بدا " اردوغان "معها متحمسا وغيوراً أكثر من بعض العرب.! لقد كشفت ثورات الربيع العربي عن كثير من الحقائق وخفايا النفوس والعقول..! كما كشفت عن حالة مرضيه مزمنة في طريقة التفكير والتعامل مع الآخر.! وأكد�'ت الوقائع والشواهد المختلفة وجود ما يسمى ب (غباء عربي متصلب ) لدى الطرفين (سلطة – معارضة ).. ومن هنا فإن على تركيا أن تكون على استعداد تام وأن تحضر نفسها لمواجهة هذا التحدي .، والتعامل مع الأوضاع بحذر شديد ودقة بالغة ضمن قراءة عميقة تستوعب تفاصيل الأحداث وطبيعة الأشخاص والأفكار وخلفيات الصراع ومغذياته والخيوط المرتبطة بحسابات ومصالح القوى العالمية والإقليمية..! مايزيد الأمر تعقيداً ومسئولية بالمقابل هو أن هذا الدور التركي جاء في لحظات " تحول تاريخي " "تولد" فيه الشعوب نفسها من جديد وتتمخض احلامها وتطلعاتها . مايقتضي على تركيا الحرص والمراقبة والعناية والقيام بدور " القابلة " Deliverer - أو الممرضه لتقديم المساعدة والتسهيلات اللازمة لإجراء عملية " ولادة " طبيعية أو قيصرية عند الضرورة واقتضاء الحال ..! إنها لحظات مثيرة .. أشبه بلحظات انفجار البركان أو هيجان البحر ..! نعم تركيا .. هي المعنى الأول إسلامياً وإقليمياً بمعالجة هذا الواقع مسئوليتها التاريخية للقيام بهذا الدور .. بحكم العلاقات والتاريخ المشترك والترابط الديني والجغرافي ومركزها الحضاري وتجربتها التاريخية. وليس من المقبول ولا من العقول أن تعيش تركيا بعيداً عن التفاعل مع جيرانها أو ان تظل بمعزل عن الأحداث وتأثيرات الصراع – سلباً أو إيجاباً – لهذا كان دورها في سوريا طبيعياً ومتوقعاً قامت به كواجب أخلاقي وإنساني قبل أن يكون إسلاميا وهو كذلك ..! رغم ما يثيره البعض من اتهامات وتشكيله .. وإذا كان يعتبره طرف ما " تدخلاً في شؤون الآخر " فلماذا لا يمانعون أن يكون لأمريكا أو روسيا أو إيران أو حتى إسرائيل موقفاً إلى جانبهم..؟ يا هؤلاء : ما الذي تنقمونه على تركيا ؟ هل أنها قامت بإيواء النازحين وإنحازت للشعب ورفعت صوتها ضد جرائم بشار و"شبيحته" ليت تركيا من فجر ثورات الربيع العربي ولا خططت للإطاحة بالأنظمة العربية .. ولم تساعد في احتلال فلسطيني والتفاوض بقضيتها .. كما لم تسمح بغزو العراق أو تقسيم السودان فلماذا كل هذا التحامل وهذه المزايدات ؟! المشكلة في (العقلية) التي قررت بها المعارضة السورية ركوب موجة الربيع العربي للإطاحة بنظام بشار بمجرد نظرة سطحية لم تسمح بدراسة الموقف وحساب نتائجه وتداعياته على مستوى المصالح المشتركة والعلاقات السورية المتميزة مع تركيا والتي بفضلها حصل بعض النجاح المحسوب طبعاً لصالح النظام ..! نحن لا تركيا- من أخطأ القراءة والحساب لتطورات الموقف وتعمدنا "اعتساف التاريخ " كما يقول " هيكل "منذ البداية فيما بشار من جانبه – ركب رأسه وتجاهل احترام نفسه وشعبه ولم يعتبر بمصارع سابقيه من الزعماء ولا زال هو سادراً في غيه. وقد كان لجوءه إلى السلاح واستخدام العنف بحق المتظاهرين اكبر محرك لعملية تعجيل سقوطه.. وبعد هذا العناد والغباء المتصلب نريد تحميل مسئولية " أخطاءنا " الآخر كما هو طبعنا دائماً ..! قد تجد تركيا نفسها فعلا حائرة ومجبرة في نفس الوقت للتعامل مع وضع شائك ومضطرب لم تتضح حوله الرؤية الصحيحة وتشوبه ضبابية وأدخنة متصاعدة بسبب غباء وعناد متبادل ومراوغات ومكايدات وأعمال عنف ووجود انقسام في الشارع السوري نفسه وتدخل " أدوار" خارجية وحساب معادلة العلاقات مع الآخر وتوجه " نوايا" أطراف داخلية وخارجية للإيقاع بتركيا وإقحامها في ارتكاب مواقف أو قرارات "عدائية " كما لا ننسى مصلحة إسرائيل في إطالة أمد الحرب لإنهاك البلد المجاور بغرض إظهار تركيا مظهر الفاشل والعاجز عند الحدود فضلاً عن لعب دور إقليمي..! ولذا وجب على تركيا الدقة والحذر والإنتظار حتى تنقشع سحب المرحلة و" تسقط أوراق الخريف "وهذا لا يعني ترك دورها بل عليها القيام بدورها في إطار الواجب الديني والإنساني والأخلاقي واقتضاء المصالح المشتركة.. وأخشى ما أخشاه أن نضيع فرصة التحول التاريخي وصناعة التغيير الذي وضعته بين أيدينا " ثورات الربيع "وينتقل الدور إلى تركيا "الشريك التاريخي"للعرب والذي يبدو حاليا أجدر منا بقيادة المرحلة لعوامل ومؤهلات عدة.! ريثما يتم فترة (التدريب والتأهيل ) بالنسبة لنا كعرب مناط بهم حمل الراية وتبليغ الرسالة إلى العالم وهو مشروعنا الذي لم نتعامل معه بجدية بعد..ولا نملك حوله تصور واضح..! ربما الأفضل لتركيا الرجوع للجانب العربي بقصد التشاور معه والضغط عليه للخروج بقرار عربي وإسلامي وإسناد دولي لحل الأزمة وحتى لا تصبح متهماً بالتواطؤ مع أمريكا والغرب ضد جيرانها العرب ومؤامرة الإطاحة بالأنظمة..! أملنا كبير بكفاءة تركيا وذكاءها السياسي وأظنها على قدر التحدي والمسئولية لمواجهة تحديات المرحلة وتجسيد الشراكة التاريخية للنهوض بالواقع العربي والإسلامي... ذلك قدر تركيا التاريخي مع جيرانها العرب ..!!