الرفض أو حتى النقد بناءً كان أو غير بناء يدرك العاقلون أنه يستند إلى أمور منطقية أو خلاف فكري أيدلوجي. وفي كل الحالات يبقى الخلاف قائماً وأحد وسائل ترشيد وتقويم العمل السياسي حتى وإن كان من يتصدر المشهد السياسي رسول منزل وهذا أمر طبيعي جعله الله ضمن سنة المدافعة. في اللحظة التي يتحول فيها الخلاف الفكري إلى عداوة ونوع من الحقد الأسود ومحاولة الافتئات على الخصوم يكون الخلاف قد تحول من وسيلة تقويم إلى وسيلة تهديم. وفي الغالب ما يكون الخلاف وسيلة للتقويم لدى القوى واسعة الانتشار ذو القواعد الكبيرة حيث أن هذه القوى تدرك تماماً أن ممارسة الازدواجية, وتقليب الأمور لن يمر على أحد حتى وأن استطاعت أن تقنع به أنصارها لبعض الوقت. إلا أن القوى الأقل انتشار وأضعف قاعدة غالبنا ما تلجئ لاستخدام أساليب "فجة" بهدف إشغال خصمها عن أداء دوره على الوجهة المطلوب حتى لا يصبح أكثر صلابة وأقوى انتشار. وكلنا يدرك تلك "المُسلمة"(قوة سياسية وطنية محبة للبلد في محيط مستقر يعني شعبيه أكبر ونفس القوة في محيط غير مستقر يعني شعبية أقل). ومهما حاول البعض أن يتصنع مواقف وطنية أو مبادئ يتاجر بها على أساس حب الشعب والتجرد من الرغبات فهو كاذب أياً كان. فكل القوى السياسية تسعى لخدمة فكرتها وأهدافها التي وضعتها هي وليس الشعب. ما يدعوا للسخرية والضحك أن تجد قوى سياسية تفترض غباء الشعوب فتحاول التلاعب بالمفاهيم والمصطلحات ضناً منها أنها بذلك ستحقق أهدافها, بدلاً من أن تسعى إلى مخاطبة الناس بمسئولية واحترام للعقول. وعندما "تُصدم" بوعي الشعب تلجئ إلى محاولة إسقاط النصَوص وتحويرها بما يتلاءم مع أفكارها ومبادئها حتى وإن كانت المبادئ نفسها خاطئة. أو لا تتلاءم مطلقاً مع الهدف المراد تطويعها له. ولهذا تجد الاز�'دواجية في التعامل مع المواقف والأحداث وبالتعريج على ما يحدث اليوم في الشارع السياسي من خلاف "أيدلوجي" لا يحتمل النظر إليه من زاوية أخرى هو أحد مشاهد إشغال الخصم وتشويهه لتقليل من شعبيته عندما يعجز خصومه في تعزيز ثقة الناس بهم. والمتأمل يرى ذلك جلياً دون غموض فمثلا, لن تجد إجابة منطقية غير ال (ازدواجية) عندما تجد دعاة المدنية واقفين بجانب قوى تنتهج العنف لتحقيق أهدافها ونشر فكرها ك (جماعة الحوثي) بينما يشنوا حملات التشويه ضد قوى إسلامية تنتهج الوسائل السلمية والعمل السياسي لتحقيق أهدافها ونشر برامجها. وربما كانت قاعدة (دعم الخصم الضعيف لإضعاف الخصم القوي) هي الأبرز في المشهد وليس أولويات وطنية ولا حتى مدنية. نفس الأمر قد تجده في موقف قوى مدنية وقفت إلى جانب قرار المحكمة الدستورية المصرية في حل مجلس الشعب المنتخب. بينما تقف هذه القوى بنوع من الهستيريا ضد قرار الرئيس محمد مرسي بإقالة النائب العام أو إزاحته عن منصبه عبر تعيينه سفيراً. هكذا أحداث وغيرها كثير جدا تؤكد أن هذه القوى لا يحركها حبها للوطن ولا حبها للشعب كما تدعي بل تحركها مصالحها الأيدلوجية حتى وإن كانت على حساب أمن البلد ومستقبله, فهي ستقبل أن تعم الفوضى البلد لتواصل بناء صفوفها وإطلاق الشعارات البراقة التي تقوى شعبيها ولن تقبل أن يحكم خصم أيدلوجي قوي يكون لدية القدرة على تلبية رغبة الشارع وفرض الأمن والاستقرار وتحقيق النهضة والتنمية, إذ أن هذا الأمر سيزيد من قوة خصومهم ويشغل الناس عن شعاراتهم.