لقد أخذ الإصلاح على عاتقه حمل عبء الدعوة إلى الله تعالى, والصبر على الظلم والاضطهاد, والهجوم الشرس عليه من قبل الخصوم والتيارات المناوئة, وكان الأساس من الاجتماع هو هذا حتى يصل إلى مرحلة التمكين ليحكم بما أنزل الله ويطبق شرع الله, وكان أفراد الإصلاح والقواعد يثقون في القيادة أيما ثقة, ومستعدون للتضحية في سبيل الله بكل ما يملكون, وكانوا محبين لقيادتهم ويعذرونها إذا أخطأت بل ويحتملون الأعذار لهم في كل تقصير, لكن المتتبع في هذه الأيام يجد أن قيادة الإصلاح تفقد الثقة عند قواعدها يوما بعد آخر ويزداد ذلك في كل وقت, وهذا يؤدي إلى ضعف وخلخلة الصف في الحركة الإسلامية بل وضعف في العمل الإسلامي لهذه الحركة وهذا يتبين من خلال الآتي: 1) تزداد الانتقادات داخل الإصلاح, ويزداد التضجر يوما بعد آخر من كثير من القيادات. 2)لا تكاد تسمع من الأفراد في أي مكان وفي أي جهة إلا وتجدهم يشتكون من قياداتهم ومستاؤن جدا منهم, ومن قراراتهم وأعمالهم وتصرفاتهم, وهذا لم يكن موجوداً من قبل. 3) ضعف العمل داخل الحركة, فكثير من الأفراد يرى أن العمل الميداني الصِّرف عليهم, والقيادة العليا والوسطى تتخذ القرارات بدون حتى أدنى اعتبار لقواعدها بل حتى لا تعرف في كثير من الأحيان حيثيات القرار وممنوع عليها في بعض الأحيان أيضا أن تسأل, مما أدى إلى ضعف العمل عند الأفراد وضعفت المبادرات والذاتية في العمل. 4) قلة الداخلين إلى الإصلاح لعدم وجود من يقنعهم! فالقواعد يصعب عليها إقناع الآخرين بالأهداف, لأن الواقع يختلف تماماً ويبعد عن المكتوب, مما يؤدي إلى ضعف القناعة عند المُقنِع فضلاً عن المراد إقناعه. وهذه الأشياء لم تحدث إلا لأسباب كثيرة أهمها: أ- الدكتاتورية التي تمارسها قيادة الإصلاح على الأفراد, ومعاملتهم كالسادة مع العبيد فلا يُستشارون ولا يُعتبرون وأحيانا لا يحق لهم أن يعرفوا. ب- التشدد في مسألة (التنظيم) والذي تحول من وسيلة إلى غاية, فأصبح كالوثن الذي يعبد من دون الله, فلو تعارضت مصلحة الدعوة والتنظيم فسيقدم التنظيم ولا مشكلة في تضرر الدعوة إلى الله, وأصبح كثير من الأفراد لا يعمل إلا من أجل التنظيم وداخل التنظيم وكأنه لم يدخل الحركة إلا من أجل التنظيم وليس من أجل الدعوة إلى الله, فصار التنظيم وثن مقدس أشربت به كثير من القلوب, وهو في الحقيقة وسيلة وليس غاية, ولهذا السبب تولدت الحساسيات عند الأفراد والحسد والغل والغيبة, فنسمع عن فلان تعقد من الحركة وفلان خرج وفلان عليه دائرة حمراء وفلان مريض وفلان...وكل هذا بسبب تقديس التنظيم والمبالغة في تطبيقه, وقد جعل الله الدين بأكمله يسر فكيف بمسألة التنظيم والتي هي وسيلة فقط وليست غاية, والتنظيم مطلوب ومهم لكن المبالغة والغلو فيه منبوذ ومرفوض ويجب التنبه كثيرا لهذه النقطة الجوهرية. ت- عدم الاهتمام بالقواعد وأحوالهم فالقيادة لا تلقي الاهتمام المطلوب بقواعدها فالذي لا يجد عملاً لا يُهتم به, والذي يمرض لا يجد مساعدة, والذي يدرس لا يجد معيناً, وبالمقابل لو حدث شيء لأحد القادة لبذل له كل شيء لمساعدته مما أفقد القاعدة الثقة في قيادتها. ث- التطنيش من القيادة, فتجد أحياناً قرارات تنظيمية غير متوقعة عند الأفراد بل المتوقع خلافها, فيتفاجأ الأفراد بها! وليس لهم الحق في الاستفسار عنها, فمثلاً: الاستمرار في الساحات, فلا تعلم القاعدة لماذا بالضبط البقاء وإلى أي وقت ستستمر هل إلى مالا نهاية؟ أم ماذا, وأقل شيء لماذا لا يُشرَكون في الأمر ويشاورون فهم الذين يضحون ويبذلون فلا يعلم الكثير الجواب على هذه الأسئلة والقيادة تطنش الجواب. ج- ضعف الجوانب الإيمانية وعدم الاهتمام بها فقد تفرغت القيادة تفرغا كاملاً للسياسة وفرغت الأفراد لذلك, فقست القلوب فصارت خاوية تؤثر فيها أبسط المكدرات, بل أصبح كثير من الأفراد لا يحافظ على الصلاة في وقتها, والبعض يُفرط في سماع الأغاني, ووصل بالبعض أنه صار يشكك في بعض الأحاديث النبوية والسبب هو ضعف الاهتمام بالجانب الإيماني وتقويته. ح- ضعف الجانب الدعوي فكما سبق إذا تعارض التنظيم والدعوة فلن يقدم إلا التنظيم, وكذلك تجد كثيرا إن لم نقل الأغلب من قيادات الإصلاح بمختلف رتبها, لا يمارسون العمل الدعوي, فلا يعملون إلا في التنظيم!! ونسوا أنهم دعاة إلى الله أولاً وآخراً وليسوا طلاب دنيا. وأصبحت القيادة تكتفي بالجانب التنظيمي, وتهتم به أشد من غيره, والذي لا يفيد عامة الناس في أمور دينهم, فلو تدبرنا قليلاً وبحثنا سنجد أنه كلما ترقى العضو في منصب تنظيمي قل عمله في الجانب الدعوي فإذا وصل مثلاً إلى رئاسة فرع ترك العمل الدعوي بالكلية إلا من رحم الله وهم قليل, وكأن البعض ظن أنه حصل بالرتبة التنظيمية على عفو عام عن الدعوة إلى الله. أما قيادة الإصلاح فكانوا سابقاً (في الماضي) شعلة اليمن لا يقر لهم قرار وهم من منطقة لأخرى يدعون إلى الله وبعد أن تمكنوا من التنظيم وتوسعوا وكثر الأتباع, تركوا الدعوة إلى الله واكتفوا بالعمل التنظيمي السري, فلا تكاد تجد شخصاً في القيادة يدعوا إلى الله ويحاضر الناس في المساجد والمقايل والمنتديات وغيرها, فقط يتكلمون في السياسة لا أقل ولا أكثر لا يختلفون كثيرا عن أي قائد في الحزب الاشتراكي أو المؤتمر, بل حتى لو بحثت في قيادات المحافظات تجد نفس الحالة لا تختلف كثيراً إلا في النادر تجد البعض فقط يدعوا إلى الله. فهل تراجع قيادة الإصلاح هذه النقاط أم أنها لن تلقي لها بالاً كالعادة, فالثقة تفتقد من يوم لآخر, وإلا فروح التغيير ستهب على الجميع فالأفراد متعطشون لذلك لأننا في عصر التغيير.