لا شك أن كل من يتأمل أحوال اليمن يتساءل من هو المستفيد من استمرار معاناة شعب كريم تنعم أرضه بالخيرات منذ الأزل. وهي أرض الجنتين وهي البلدة الطيبة التي وصفها الله تعالى بقوله جل وعلا "بلدة طيبة ورب غفور"؟ لكن المتعمق قليلاً قد يفهم أسباب هذه المعاناة التي هي من صنيع أناس من أبناء هذا الوطن كنا سبباً في إعطائهم الثقة لتحريك عملية التنمية واللحاق بمن سبقونا في بناء أوطانهم ورفع مستوى معيشة شعوبهم. غير أنه لمن المؤسف كثيراً أن من أعطيناهم ثقتنا ليسوا إلا ثعالب مكارة ما إن تربعوا على العروش حتى عاثوا في الأرض فساداً، قتلوا ضمائرهم ودفنوها داخل قلوبهم وأصبحت القلوب قبوراً.. تمتلك مكر الذئاب ودهاء الثعالب ونعومة الأفاعي. يصلي الفرد منهم الفرض في وقته إذا لزم الأمر ويحرص على أن يراه كل الناس، ويرتكب المعصية إذا لزم الأمر بشرط ألا يراه أحد من الناس. سعادته الكبرى في أن يحصل على ما لا يستحقه.. يسرق.. يختلس.. يتربح.. يزور، مصاب بالشراهة ولا يشبع، ولا يرى في الوجود إلا مصالحه.. يصادق الجميع، حلو الحديث، يهتم بالإعلام، يتمتع بوقاحة فجة ودائم الحديث عن الشرف والأمانة. هذه النوعية من البشر قد انتشرت انتشار الذئاب.. تنهب.. تخرب.. تنهش في لحم الوطن والمواطن. وأنا هنا لا أعمم لكنها الأغلبية في السلطة.. هذه النوعية التي تشغل المواقع الهامة والمناصب الحساسة تفرض طابعها المخزي على كل شيء تتعامل معه، والنتيجة مؤسفة ومؤلمة.. في الظاهر كل شيء على ما يرام وكل شيء على قدم وساق، تستره الدعاية الكاذبة والأوراق التي تحمل الوهم، ومع هذا نقبل بالوهم وأحياناً نفرح به ونشيد.. إلا أن الحقيقة معروفة وراسخة والكل يشعر بها ويدرك خطورتها.. ومع هذا الفاسدون في أماكنهم قاعدون ومرتاحون ولن يزعجهم شيء حتى وقوع زلزال..! ترى هل في بقائهم رغم كوارثهم فائدة لا تدركها عقولنا الصغيرة..؟ الله أعلم. ولاشك أيضاً أن هناك أناساً كثيرين لا يتساءلون وقد تكون قناعة يحكمها النفاق.. والمنافق هو من يقول للقبيح أنت جميل ويقول للمخطئ أنت على حق ويقول للكاذب يا أصدق الناس. حقير بطبعه لا يعرف الكبرياء وفي أعماقه أخلاق العبيد، دائم الابتسامة ولا يعرف كلمة لا.. وعندما يترقى يصبح مثل أسياده. هذه النوعية من البشر في خلفية الصورة ولكن هدفها الأول والأخير هو التأثير على من هو في مقدمة الصورة.. وتتجسد الكارثة عندما يكون هو صاحب القرار وصاحب التوقيع.. نتساءل هل أصابتنا الغفلة؟ هل نترك مصائرنا للمنافقين الفاسدين؟ إلى متى يظل الشخص منا بلا طموح ولا شخصية يميل إلى البلادة ويفضل الاسترخاء.. فاتر الحس ودرجة حرارته أقل من معدلها.. تفكيره محدود وإدراكه بطيء، قصير النظر.. لا يقدر المسؤولية..؟ وعلى هذا الحال لن تحل المشكلة ولن نحقق ما نصبو إليه ما لم تتضافر الجهود.. جهود كل الشرفاء من أبناء هذا الوطن الغالي لإخراجه من عنق الزجاجة التي تكاد تخنقه إلى الأبد. وهذا أيضاً لن يكون حتى تصحو هذه الأمة من نومها العميق الذي يكاد يكون تخديراً للأعصاب لتظل في ركودها وتأخرها، لأن النوم والاستكانة لن يقدما سوى إعطاء المزيد من الفرص للعبث بخيرات الوطن وممتلكات الشعب التي طالها فساد الفاسدين وعبث العابثين بدون خوف ولا رحمة. والحليم بالإشارة يفهم.