يبدو أن المتمردين الحوثيين في اليمن لم يخرجوا بعد من فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي كما هو واضح من الشعارات المثيرة التي يرفعونها كواجهة لأفعال وأهداف تتناقض معها تماما. فقد كانت المنطقة العربية في تلك الحقبة تضج بشعارات تدعو للقضاء على إسرائيل وإلقاء اليهود في البحر وغيرها من الشعارات التي كانت تستغل مشاعر وأحاسيس المواطن العربي الذي كان يشعر بالذل والمهانة بسبب الهزائم المتلاحقة التي منيت بها الأمة العربية والإسلامية أمام عدو عرف كيف يستفيد حتى من تلك الشعارات ويحولها إلى سلاح ما زال حتى اليوم يستخدمه في الساحات الدولية لتبرير جرائمه وعدوانه على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى. فما يفعله الحوثيون اليوم أبعد ما يكون عما تطرحه شعارات "الموت لإسرائيل" التي يرفعونها، بل إن كل ما يفعلونه لا يصب إلا في خدمة إسرائيل وأعداء الأمة العربية والإسلامية، لأن الحوثيين يوجهون بنادقهم للعرب من يمنيين وسعوديين. وليست الجريمة التي ارتكبتها هذه الجماعة المجرمة مؤخرا بالاعتداء على حرمة الأراضي السعودية وقتل وجرح عدد من جنودها إلا دليلا على إفلاس هذه الجماعة والطريق المسدود الذي وصلت إليه ويأسها من تحقيق مآربها في تقسيم اليمن وإقامة كيان يخدم إيران ويخدم مصالحها في المنطقة. فلو كان الحوثيون يسعون فعلا للحصول على "حقوق" يدعون أنها منعت عنهم في اليمن لوجدوا أن السعودية أول من يدافع عن هذه الحقوق ويؤيدهم للحصول عليها من خلال وساطات يمكن القيام بها مع الأشقاء هناك. ولو كانت القضية مجرد بحث عن حقوق سياسية فإن وجود بعض أتباع وأنصار هذه الجماعة في البرلمان اليمني أكبر دليل على بطلان ادعائهم بالإقصاء. وحتى لو كانت هناك مظالم من هذا النوع، فإن هذا لا يبرر امتشاق السلاح وقتل الأشقاء وزعزعة أمن واستقرار البلاد من أجل تحقيقها. لكن يبدو أن القضية أبعد من ذلك بكثير. فقد كان أحد أهداف الحوثيين من ارتكاب جريمتهم على الحدود السعودية هو محاولة إحداث مشاكل بين اليمن والسعودية تقود إلى تحويل مشكلة اليمن الداخلية إلى مشكلة إقليمية وربما دولية فيما بعد، وفاتهم أن قيادات البلدين تعي تماما هذه التحركات المشبوهة ولن تقع في فخ يرسمه بعض الجهلة وأصحاب الرؤى المشبوهة. لقد كانت السعودية دائما أكبر من جراحها، وأثبتت بالتجربة أنها تحملت الكثير من أشقائها خاصة إذا كان في ذلك خدمة لقضايا العرب والمسلمين الكبيرة. لكن ذلك له حدود، وعلى أذناب القوى الطامعة أن يعيدوا التفكير أكثر من مرة قبل أن يرتكبوا حماقات ستكلفهم بلا شك أكثر مما يتوقعون. إذا كانت هناك مشكلة لدى أي طرف في اليمن الشقيق فإن الطريق الوحيد لحلها هو الحوار الصادق والمخلص بين أبناء البلد الواحد وإبعاد أي يد أجنبية تحاول أن تنال من وحدة اليمن وأمنه. لقد أثبت التاريخ الحديث أن التدويل لن يؤدي إلا إلى مضاعفة المشاكل، وعلى العقلاء أن يفهموا أين تكمن مصالحهم ومصالح بلادهم الحقيقية نقلا عن الوطن السعودية