/ استطلاع - طارق سلام عدن تاريخ وحضارة متماهية، وماضٍ آسر عنوانه التعايش، من هنا مرَّ "الأتراك والفرس والأحباش والهنود والانجليز.." ثمة شواهد حية تؤكد ذلك، وجبل شمسان لوحده يحوي جانباً من هذه المآثر، تسع ساعات راجلة فوق هضابه، كانت كفيلة بنبش جانباً غير يسير من ذلك..
الأسبوع الماضي نظم منتدى عدن اجين رحلة علمية وجيولوجية تعريفية بالتاريخ و الحضارات التي سكنت هضبة وجبل شمسان(137) شاب وشابة شاركوا في الرحلة سيراً على الأقدام على مدى تسع ساعات من صهاريج عدن مروراً بالدروب السبعة وصولاً الى القلعة التركية في أعلى قمة جبل شمسان، خلال الرحلة تعرف المشاركين من المهندس/ معروف عقبة (رئيس جمعية الجيولوجيين) بعدن على عبقرية الإنسان اليمني الذي استخدم مادة "البوميس" في البناء التي تفوق مادة الاسمنت في البقاء والصلابة، بالإضافة الى مهلكة الفرس والعديد من الآثار المخبوءة هناك. كهوف وبناء عشوائي «شمسان» من أعالي الجبال المحيطة بعدن بل وأعظمها، كان يعرف قديماً بجبل «العُر»، ويمتد منه إلى الجنوب والغرب والشمال أذرع تنتهي أطراف بعضها في البحر، خلال صعودنا الجبل مررنا بكهوف يستخرج منها مادة البوميس، وهي مادة تُمزج بعده مواد تنتج عنها خلطة استخدمت في بناء الصهاريج، وهذه الخلطة تضاهي الخلطة التي ركبها الرومان حسب قول "رئيس جمعية الجيولوجيين" المهندس معروف عقيه. هذه المنطقة يتم حاليا الاعتداء عليها بالبناء العشوائي دون المحافظة على هذه الكهوف القديمة، ويستخرج من الكهوف صخور تسمى حجر الخفاف "البوميس" وكثافتها اخف من كثافة الماء، ومازالت الكهوف التي استخرجت منها هذه المادة باقية كشاهد حي على حفظ هذه المادة لأعظم صرح تاريخي في عدن. مناجم طبيعية يقول رئيس جمعية الجيولوجيين معروف أنهم حاولوا إنتاج الخلطة ولكنهم وصلوا الى 90% من مركبها، وأضاف: الفراعنة لديهم سر خلطة التحنيط، واليمنيين لديهم سر خلطة البوميس، وعن الكهوف يشير انها تصل الى 450 متر وكان بنائها على نظرية الغرفة والعمود ، وهو حفر الأنفاق بشكل غرف، وإبقاء عمود من اصل الجبل يسند سطح الغرفة حتى لا ينهار النفق، والطريقة التي شيدت بها تلك الكهوف تدل على مدى الإتقان الذي وصل إليه مشيدوها. - وأردف: استخدمت مادة البوميس في بناء الجدران الملاصقة للبحر في جبل قلعة صيره وكلما ضربتها مياه البحر ازدادت صلابة وقوة، وتعد هذه المناجم أول مناجم طبيعية في شبه الجزيرة العربية والقرن الإفريقي، و مادة البوميس من اجود المواد في العالم . برج الصمت يشير المهندس معروف أن برج الفرس او برج الصمت وتسمى عامياً ب (مهلكة الفرس) - جزء من تاريخ مدينة عدن، بناه الفرس او معتنقي الديانة الزرادتشية، ويعد آخر ما تبقى من آثار زرادتش في شبة الجزيرة العربية، حيث كان الزرادتشيون يتخلصون من موتاهم هناك. وعن كيفية دخول هذه الديانة الى عدن، قال المهندس معروف أن من رفضوا اعتناق الإسلام من جزيرة العرب من الزرادتشيين فروا إلى الهند واستقروا هناك، وعندما هاجر الهنود الى عدن انتقلت الديانة الزرادتشية الى عدن، وكانوا لا يتجاوزون أل 120 زرداتشي. وفي 1883 أنشأ الفرس معبدهم في حديقة غناء على جزء علوي لأحد الصهاريج التي تشكل سلسلة صهاريج الطويلة وعرف باسم (معبد النار) أو معبد النار المقدسة، وأيضاً ب Cowasjee Dinshaw Adenwallaأما برج الصمت المعروف باسم dakhmaو dokhmaو doongerwadiفقد أنشى بغرض التخلص من جثت الموتى حيث يرى الفرس خصوصا الزرادشتيون أن جثة الميت تكون نجساً ووفقا للتقاليد، ويجب ألا تتعرض الأرض أو النار لهذه النجاسة، لذلك توضع الجثة على قمة البرج بحيث تتعرض للشمس وتكون طعاماً للطيور الجارح. بني البرج في كريتر بشكل دائري مكون من ثلاث حلقات بحيث توضع جثت الرجال داخل الحلقة الكبرى ( الخارجية) وتوضع جثت النساء داخل الحلقة الوسطى، أما جثث الصغار فتوضع في الحلقة الصغرى (الداخلية ) ولا يسمح بالدخول للبرج سوى لفئة خاصة هم حاملي النعش. بعد تحلل الجثة وبقاء العظام يتم رمي العظام دخل بئر عميقة تتوسط البرج و تحلل الجثة تستغرق أياماً وربما شهورا وأحيانا تصل إلى حدود السنة. وفي السبعينات اصبح الزرادتشيين يقبروا موتاهم وهم في صناديق احتراما للمسلمين، وثم يتم نقلهم مرة اخرى الى بلد اخر. نقل النار قهوجي دان شاو بنى معبد في عدن ثم هدم في تسعينيات القرن الماضي، وشيد على اثرة جامع، وبعد جلاء المحتل لم يتبقى من الديانة الزرادتشية الا بضع من الاشخاص، فأرادوا نقل النار التي جلبت من الهند، لان الطائفة الفارسية شعرت أنه لن يسمح ببقاء النار في عدن. حيث ترى الطائفة الفارسية أن هذه النار الأبدية تحفظ لهم الحياة وتحفظ لهم المجوسية، وبعد الاستقلال دار الكثير من الجدل مع السلطات في الدولة الجديدة و في 14 نوفمبر 1976 غادرت الطائفة الفارسية عدن على متن طائرة بوينج 707 تابعة للخطوط الجوية الهندية. نار المعبد شهدت مراسم نقل خاصة بطلب من وزيرة الخارجية الهندية حينها "انديره غاندي"، وعلى متن طائرة خاصة عام 1984 نقلت النار داخل اناء يحفظها مسرجة حتى وصلت مدينة بونا، ومن ثم وضعت في المعبد الفارسي العدني . صهاريج عدن صهاريج عدن من أشهر المعالم التاريخية في اليمن، إنّ لم يكن أشهرها على الإطلاق، ويشير المهندس معروف عقبة ان الرحالة ابن بطوطة سجل في ملاحظاته عن وجود الصهاريج، وقد زار عدن في عصر الدولة الرسولية وتحديدًا في حكم السلطان المجاهد علي بن المؤيد بن داود. اختلفت المصادر التاريخية في تحديد الوقت الذي تم فيه بناء صهاريج عدن، فلم يجد الدارسون والباحثون الأثريون أي سند أو نقوش أو دلالة تشير إلى تاريخ بنائها، ولكن القول الغالب أن بناءها مر بمراحل تاريخية متعددة، كان أولها في القرن الخامس عشر قبل الميلاد في عهد مملكة سبأ. وتتصل الصهاريج بعضها ببعض بشكل سلسلة، وقد شيدت في مضيق يبلغ طوله 750 قدماً تقريباً. وقدر الباحثون عدد صهاريج عدن (الطويلة) بنحو 55صهريجا معظمها مطمور تحت الأرض أو اصابه الخراب، وما هو قائم منها لا يزيد على 18 صهريجا فقط، تستوعب نحو 20 مليون جالون، وتستقبل صهاريج الطويلة سنويا عشرات الآلاف من الزوار والسياح العرب والأجانب لغرض الاطلاع على مكوناتها المدهشة وخزاناتها ومتحفها. وتغذى الصهاريج من سدود هضبة جبل العُر (شمسان) التي تحتل مساحة تزيد على الثلثين من مساحة مدينة عَدَن كريتر، وتقع الهضبة في أعلى مدينة كريتر جنوباً، وتضم على الهضبة ثمانية سدود، إثنان منها يقعان في وادي الخساف والستة الباقية تقع في وادي الطويلة، جميعها ذو طابع قديم، والسدود الثمانية السابقة تم تشييدها واستخدامها بعد الاحتلال الإنجليزي لمدينة عَدَن كريتر عام 1839م. - واضاف المهندس معروف ان مساحة التجميع المتواجدة أعلى الصهاريج تقدر ب59 هكتار وهي مساحة تجميع المياه ليتم ترشيحها من خلال توغلها في الارض عبر صخور الخفاف "البوميس" وتغذي ابار عدن. الدروب السبعة هي السدود (الحواجز) السبعة التي تصد المياه الساقطة من جبل شمسان باتجاه مدينة عدن، فيتم حجزها وتهدئة اندفاعها حتى تصب في الصهاريج. حاليا يتم إعادة ترميم هذه الدروب بمادة الاسمنت، وليس بمادة البوميس، أو المواد البدائية التي ضلت مقاومة للسيول لآلاف السنين، هذه العملية تعتبر طمس للآثار وهوية هذه المعالم الأثرية، كما أنهم يقومون بشق وتجريف الجبال وتشويهها بحجة الترميم، وهذه العملية تعد عملية طمس للثقافة والهوية والآثار . بركانعدن يقول المهندس/ معروف عقبة في بحثه (عدن البعد التاريخي والحضاري): يعتبر بركانعدن أحد المراكز البركانية الستة التي تقع في خط بركاني واحد وتمتد من باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حتي مدينة عدن، ولقد حدث نشاط أحد هذه المراكز البركانية الستة بجبل الطير قبالة سواحل البحر الأحمر، ويشير معروف ان ارتفاع فوهة البركان تصل الى 550 متر حتى نواحي القلعة التركية. واوضح معروف ان البعثة الملكية البريطانية لعلوم البراكين قامت خلال عام 1964م بدراسة بركانعدن الخامد بقيادة البروفيسور I.G.Gassالذي بدأ ورقته العلمية بقوله (إن البراكين الحالية ما هي إلا ألعاب نارية أمام بركانعدن). وقال ان دراسات عالمية أشارت الى بركان كراكاتو في إندونيسيا (Krakatau volcano) الذي إنفجر عام 1883م والذي اعتبروه العلماء أقوي بركان في ذاكرة البشرية، وتسبب في مقتل ستة وثلاثون ألف شخص وسمع الناس دوي الانفجار علي بعد مسافة خمسة ألاف كيلومتر, وحجب الرماد والدخان البركاني ضوء الشمس لمدة أسبوع عن الكرة الأرضية، ولقد قدر العلماء قوة هذا البركان بمائة قنبلة هيدروجينية، وانتهت الدراسة إلي أن هذا البركان الضخم يعتبر مثل الألعاب النارية مقارنة ببركانعدن. ترفيه تخلل الرحلة وصلات موسيقية وأغانٍ عربية وغربي،ة أداها مغنون وعازفون أحضروا معهم آلات موسيقية للترفيه، وتحلق حولهم مستمعون شاركوا في ترديد كلمات الأغاني وصناعة إيقاعات خاصة بالتصفيق المنظم. نباتات المشاهد لجبل شمسان يراه مغبراً وتسكنه نباتات ميته، لكن المتمعن في النباتات يجدها نادرة ويكسوها اليبس، لكن اذا ما لمست نبته ستجدها طرية، لأنها من النباتات المقاومة للتصحر والحرارة، وما أن تهطل الامطار الموسمية تجدها تخضر وتتكاثر. - يقول المهندس معروف ان هناك قرابة 250 نوع من النباتات على جبل وهضبة شمسان، واوضح ان كثير من النباتات نقلها الرحالة من عدن فهناك نبته اسمها العلمي "adinym" نبته العدنه وهي نبته كبيرة مقاومة للجفاف . القلعة التركية القلعة التركية في أعلى قمة جبل شمسان، جار عليها الزمن ولم يبقى منها سوى جدران متهالكة، فقد اندثرت بعد ان شهدت حروب، وكانت حصينة من الأعداء. - يقول المهندس معروف ان القلعة كانت في السابق معبد يقام فيها طقوس العبادة والقرابين، ومع دخول الاتراك اليمن اعدوا بنائها واطلق عليها القلعة التركية. الطريق الى القلعة يبدا من بداية وادي الخساف حيث توجد طريق مرصوفه بالحجار، بدأت تتعرض للاندثار، وهي بحاجة إلى إعادة ترميمها.