تكالب الدول القوية على الأمم الضعيفة ونهب خيراتها حقيقة راسخة عاصرها الإنسان على مر التاريخ وفي مختلف الحقب، ومع أن مختلف أمم الأرض استوعبوا وعرفوا هذه الحقيقة وعملوا على معالجة مكامن الضعف في دولهم ومجتمعاتهم لمواجهة الطغيان وتفادي السقوط في دائرة الضعفاء، وحدهم بعض العرب ظلوا يلعبون دور النعامة عندما تغرس رأسها في الأرض خوفاً من الأخطار أو ربما الواقع. ومع أننا العرب والحمد لله من أكثر الأمم التي تتحدث عن ماضيها بكل فخر، مع أن الماضي تاريخ ولا علاقة له بالحاضر المؤلم والواقع المخزي الذي وصلنا إليه في زمن الهوان والتخادل الذي شجع على تكالب الدول الكبرى وتسلط عصاها الغليظة لإسكات كل نبض حي في أمة وصفت بأنها خير أمة أخرجت للناس! وصارت اليوم أهون دول الأرض وكذلك أغناها بالثروة وأفقرها علاقة بالمعرفة. وعندما ترعرعنا صغاراً في سنواتنا الأولى ظللنا نتعلم ونلقن في المدرسة تاريخاً لأمم سابقة وصلت الى أرجاء الأرض بقوتها وعقيدتها الصادقة وعلومها المتطورة عندما توحدت أرواحها وتعاظمت عقيدتها تحت لواء الإسلام، الدين الحق الذي صنع من قبائل العرب مصدر إشعاع في غياهب الجهل الذي كان العالم يعيشه كما تعلمنا وعرفنا باستحياء المراحل التي ضعفت وهانت هذه الدولة وكيف مزقت ودمرت حضارتها عندما ضعفت وكيف تقاسمت أشلاءها الدول العظمى وقسمتها إلى حصص وأجزاء صغيرة. ولكني أجزم بأننا لم نتعلم منه اليوم كيف نتحرر من القيود ونواجه الطغيان والعدوان، وكيف نبني أنفسنا لنواجه الطامعين.. ولم نتعلم كذلك كيف نربي أنفسنا ونربي أولادنا على مواجهة ضعفنا بالعلم والإيمان وإصلاح مجتمعاتنا وتأهيلها لقيادة نفسها وقيادة العالم بالحب ونشر الخير والسلام، لهذا لا نستغرب أن نجد أنفسنا اليوم من أضعف وأهون الشعوب.. نعيش بلا كرامة ولا قوة ولا عزة سوى شعارات نطلقها ونحن نعرف أننا نكذب على أنفسنا، نعيش ظلمات وجهلاً لم تعشه الأمة العربية والإسلامية منذ فجر الدعوة إلى اليوم كالأقزام المتسولين في زمن ضاعت فيه القيم وضاعت فيه الغيرة على الدين والأرض والعرض، أصبحنا قلوباً وعقولاً متحجرة لا تعي ولا تتأثر بأي شيء يحدث ويمس من قيمنا حتى صارت دولة صغيرة تتحكم في مصير أمة مسلمة أو مستسلمة من المحيط إلى الخليج. أمة ضعيفة كل ما تستطيع عمله هو البكاء والنعيق واستجداء عدو لا يرحم ولن يرحم مطلقاً، أمة عاجزة خانعة خاضعة فاقدة الأمل في أن تعود عافيتها وقوتها، فقدت القدرة ليس فقط على المواجهة وإنما على الشجب والتنديد.. فقد صمتت الأنظمة العربية ولم تعد تصدر بيانات التنديد والاستنكار، بل أصبحت تحارب في صف المعتدي ضد المقاومة في لبنان سبحان الله فبدلاً من أن تكون صور القتل للأطفال والنساء والشيوخ ودفن الأحياء سبباً لاستنهاض كل الضمائر والقلوب لقهر الطغيان ودعم المقاومة أصبحت هذه المناظر سبباً وذريعة لقتل ما تبقى من الأمة من مقاومة تحاول بها الدفاع عن الأرض والعرض ضد الصهاينة ومن وراءهم.. فهل قرأنا وسمعنا وشاهدنا وعايشنا أكثر من هكذا ذل وضعف وهوان..؟ أعوذ بالله أن ينصر الله الأنظمة والشعوب المتخاذلة، أعوذ بالله أن ينصر شعوباً ماتت ضمائرها وغيرتها على دينها وأعراضها وأطفالها، أعوذ بالله أن ينصر الله شعوباً لا تتأثر بمناظر أشلاء الأطفال وتشريد الآباء والأمهات، أعوذ بالله أن ينصر الله شعوباً عشقت الجهل والعيش في الظلام، بينما نور الله يملأ الكون «نحن شعوب من الجاهلية نبتاع أربابنا في الصباح ونأكلهم ونخذلهم ونخدعهم عند العشية».. وعفواً يا نزار كل شيء مباح ما دمنا أبحنا كل شيء.. فهل ما زلنا ننتظر نصر الله أم سخط وغضب وعقاب الجبار..؟! اللهم انصر من نصرك ودمر من خذلك من عبيدك وطهرنا بعقابك من ذنوبنا وبعدلك من ظلمنا، فنحن لا نستحق حياة وهبتها لنرفع رايتك.. اللهم إن ضاقت بنا السبل فاجعل سبيلك خلاصنا، يارب لا نجد الأعذار لنتوسل إليك بها فألهمنا ما نعتذر به إليك قبل أن يبدأ سخطك علينا في الدنيا قبل الآخرة.