الفكرة التي كانت شائعة لدينا نحن الأمهات أن الألعاب النارية في العيد لا يمكن التحكم فيها أو منعها من قبل رجال الأمن؛ لأنها تأتي من أطفال يصعب التحكم في عبثهم.. ولذلك نقضي أسبوعاً كاملاً قبل العيد في التوعية بأخطار الألعاب النارية والتهديد والوعيد لأطفالنا، ونظل ندعو الله أن يشل أيدي التجار الذين يبيعون الألعاب لأطفالنا، وتظل الجملة التي يكرهها أطفالنا على ألسنتنا طوال أيام العيد (ممنوع الخروج للشارع، اجلسوا هادئين وإذا سمعنا «قراح» يا ويلكم) يسمعها الأطفال ويجيبون عنها بنظرات طفولية بريئة فيها كثير من الاتهام بالظلم، وتعبر عن حنقهم وعدم اقتناعهم بحكمة الكبار، ويرددون بحزن «حتى العيد يا أمي.. حتى العيد يا أبي» وكثير من الأطفال يعلنون التمرد والشغب، ويختلسون غفلة الأمهات والآباء لينسلوا إلى الشارع ويمارسوا ألعابهم النارية، وهم يعلمون أنهم سوف يعاقبون عند عودتهم إلى البيت، لكن متعة ممارسة الطفولة واللعب مع رفاقهم تجعلهم غير آبهين بالنتائج، وحينما يحين المساء تجد الطفل منهم يعود إلى المنزل مرتجفاً زائغ العينين، تسبقه دموعه خوفاً من العقاب المنتظر من والديه، وكثيرون من الآباء والأمهات يرغون ويزبدون أثناء غياب الطفل، ويظلون طوال الوقت مترقبين عودة الأطفال، ويفكرون بالوسائل العقابية التي تمنع الأطفال من تكرار فعلتهم، وحينما يعود الطفل سليماً، ويلاحظون مخاوفه يتبدد عندهم الغضب ويكتفون منه بوعد جديد بعدم تكرار الخروج واللعب بالنار، فيبتسم الطفل لإفلاته من العقاب راضياًَ بنصر حققه يجعله ينام حالماً بيوم جديد مليء بمشاغبات الطفولة، ويمارس السلوك نفسه في اليوم التالي، وتتكرر المناوشات بين الآباء والأمهات وبين الأطفال إلى أن ينتهي العيد، وتهدأ الألعاب النارية فيتنفس الجميع الصعداء ويعودون إلى حياتهم الطبيعية، شاكرين الله على سلامة أطفالهم من أخطار الألعاب النارية. هكذا كان كل عيد، لكن هذا العيد كان مختلفاً، وله طعم آخر، فقد أحسّ الآباء والأمهات أن الدولة قريبة من الأسرة حين شعرت بمعاناة الآباء والأمهات مع أطفالهم، وأصدرت أجمل قرار أمني تم اتخاذه في هذا العيد، وهو منع الألعاب النارية، وسمحوا لأطفالهم بالخروج لملاقاة أطفال الجيران دون خوف من الإصابات التي كانت تسببها الألعاب النارية، خاصة أننا مازلنا نتذكر المآسي التي حدثت في الأعياد الماضية، فهناك أطفال فقدوا أعينهم وأصيبوا بعاهات مستديمة بسبب الألعاب النارية، وحدثت حرائق تبعتها خسائر مادية وبشرية بسبب تلك الألعاب، وكنا نتمنى أن تكتمل الفرحة بتطبيق القرار في كل أنحاء اليمن إلا أن الأخبار فاجأتنا قبل أيام قليلة بأن الألعاب النارية خلال فترة إجازة العيد قد كانت سبباً في وقوع حادثتي حريق أسوأها الذي شهدته مدينة زنجبار بمحافطة أبين أول أيام عيد الأضحى المبارك، والذي أتى على محلين تجاريين بالإضافة إلى منزلين، وقدّرت خسائره المادية بأكثر من 37 مليون ريال. لكننا في صنعاء تمتعنا بالهدوء الذي سيطر على المدينة في العيد، وأثبت لنا أن الدولة حينما تريد أن تتواجد لن تعدم وسيلة، وثبت لنا أن القرار وصل بقوة إلى تجار المفرقعات، وهم الذين نفذوا القرار؛ فلم تصل الألعاب إلى أيدي الأطفال، ونتمنى أن يكون مصير كل قرارات الدولة وخاصة تلك التي تتصل بالنظام والأمن مثل هذا القرار. ونحن الآباء والأمهات بدورنا نشكر رجال الأمن لأنهم كانوا حازمين في تطبيق القرار، ونشكر التجار الذين نفذوا القرار؛ لأنهم أثبتوا وطنيتهم وامتثالهم للنظام، وأراحوا الأمهات والآباء من مخاوف العيد، ومنحوا المرضى وكبار السن الهدوء والسكينة، وأتاحوا للعائلات والأصدقاء تبادل الأحاديث الودية في اجتماعاتهم دون ارتجاف من المفرقعات بين لحظة وأخرى. أما الأطفال فهم لا يعجزون عن ابتكار وسائل التسلية، وقد استبدلوا ألعابهم النارية بمعايدات فكاهية تتعلق بهذه الألعاب، ومن المعايدات الإلكترونية الفكاهية التي تبادلها الأطفال مع رفاقهم هذا العيد، رسائل معبرة عن خيبة أملهم لعدم تمكنهم من الألعاب النارية، فقد ألحّ طفلي على شراء كرت تلفون لمعايدة أصحابه، وحينما سألته إن كان أحد أصدقائه قد بادر بمعايدته ابتسم بثقة وأراني رسالة وصلت إليه من أحد أصدقائه وأعجبته، ويريد أن يعيد إرسالها لأصدقاء آخرين تقول الرسالة: «لأنك حبيبي أكيد، وأقرب الناس للقلب والوريد؛ أحب أن أقول لك: عندك طماش سلف؟!». *جامعة صنعاء - كلية التربية [email protected]