اقتربت الساعة من الرقم «9» ولم يصل موظفو مكتب البريد بعد، وبالكاد شرف أولهم عند التاسعة، وكان هذا هو المبكّر منهم!. رسمياً يبدأ الدوام في الثامنة، وعملياً لا توجد ضمانة واحدة بأن هذا صحيح، وربما يكون المنظفون هم وحدهم الأكثر انضباطاً والتزاماً بالموعد الرسمي. وهؤلاء لم ولن يكافأوا على الإطلاق، وبالكاد يحصلون على مرتب تعاقدي لا يُرى بالعين المجردة، وغيرهم يسدون بكروشهم عين الحسود وعين الشمس أيضاً!!. قبل ذهابها إلى عملها في المستشفى فضلت أن تمر بمكتب البريد وتسدد فواتير الهاتف الأرضي والنقال «يمن موبايل» وكان عليها أن تنتظر إلى ما بعد التاسعة لتنجز مهمة روتينية كهذه. والنتيجة أنها هي أيضاً تأخرت عن الدوام في قسم الطوارئ، مثلما تأخر الطبيب عن مرضاه، وهلمَّ جرّا!. يقال بأن هناك مخترعاً عالمياً اسمه «حافظة الدوام» بل هناك إشاعات مغرضة بأن بعض الجهات والمرافق الحكومية والخدمية انتقلت إلى التوقيع بالبطاقة الآلية أو البصمة الإلكترونية، كلها إشاعات وافتراء على عباد الله. الواقع يشهد بأننا بالفعل انتقلنا ولكن إلى حافظة لا تحفظ شيئاً، وثمة واحد بعينه - دائماً - مكلف بالتوقيع نيابة عن الجميع، والحساب يجمع آخر الشهر!!. اطلعت مرة على حافظة الدوام في إحدى الوزارات، لأكتشف بأنها أكثر من مُضيّعة وليست حافظة!. الغريب في الأمر هو أن أغلب - أو لأقول بعض - التوقيعات موجودة في خانة الانصراف، وبقيت خانة الحضور فارغة، يعني لم يحضروا؛ ولكنهم بقدرة قادر انصرفوا، والتوقيع خير شاهد!!. تحدث أشياء من الصعب فهمها أو تفسيرها، تماماً كما يحدث ويغيب المديرون، ومع ذلك يرفعون تقارير الأداء في إداراتهم آخر كل شهر متضمنة توصيات بعقوبات جزائية بحق الموظفين المتغيبين!!. حكايتنا مع الانضباط الوظيفي أشبه بحكاية الغراب الذي مات وهو لا يعرف لماذا لم يجد في حياته وجبة دسمة قط؟!. لأنه لم يكن يستخدم منبه الساعة!!. شكراً لأنكم تبتسمون