دخل مطعم الكباب المزدحم في الداخل والخارج على حساب الشارع بالمفترشين والجالسين على الكراسي وهم أقل, وكان يحمل كيساً شفافاً به مجموعة أوراق بعضها متناثرة والأخرى مدبّسة وتلفّت يميناً وشمالاً يبحث عن الموظف الذي ذهب إلى مكتبه فلم يجده , ولما سألهم أين أجده؟ قالوا: في مطعم من مطاعم الكباب , وأشاروا عليه بأن يذهب إليه في أيٍّ منها. ولما انتهى من تناول فطوره من الكباب بسرعة اتجه نحو الموظف وسأله : هل أنت فلان؟ قال: نعم.. قال: كنت أظن بأنني سأجدك في مكتبك كون الوقت التاسعة آخذاً بالاعتبار أن معظم الموظفين يتأخرون عن الدوام لتناول الفطور , ولا أحد يعرف كيف ومتى يوقعون بالبصمة أو حافظة الدوام الذي يحدد الساعة الثامنة والنصف آخر موعد للحضور والثالثة بعد الظهر للانصراف. أو يطلبون الفطور بواسطة المراسل الذي يذهب ويجيء أكثر من مرة ويترك عمله الأساسي في الأقسام والإدارات وأحياناً يتعرض للجزاء بالخصم من المرتب أو لفت نظر أو تحذير ويسعى المستفيدون من خدماته في شراء الفطور ومابعد الفطور كالشاي والعصير لإعفائه من تلك العقوبات وهذا شيء طيب يحسب لهم كونهم السبب في تعرضه لما تعرض له, والحالة تتكرر في معظم المكاتب وفي كل المدن لكن في بعضها يطلب الموظفون السماح لهم بعد الحضور والتوقيع بالذهاب إلى المطاعم البعيدة عن مكاتبهم أو إرسال الفراش أو المراسل لإحضار الفطور فيجتمعون في إحدى الغرف ويغلقون الأبواب ويقضون مابين نصف ساعة أو ثلثي الساعة على أقل تقدير في الأكل وشرب الشاي والتفاهم المشترك حول التعامل مع أصحاب المعاملات الذين ينتظرون ويترددون أكثر من مرة وأكثر من يوم أحياناً. وتشتهر الساحة الواقعة بين أو أمام مكتب المالية والضرائب والمواصلات بتعز والتي بالقرب منها البريد بكثرة مطاعم الكباب مثل مطاعم الفول والسلتة بصنعاء وفي غيرها نظراً لإقبال الناس على الأكلات الشعبية المشبعة بالبسباس الحار والملح الزائد والبهارات الأخرى فترى الناس يأتون إليها من أماكن بعيدة وليسوا بالضرورة موظفين وإنما يسمعون عنها من الآخرين الذين تعرفوا عليها ممن سبقوهم إليها من الأصدقاء والمعاريف. الرجل صاحب المعاملة خرج من مكتب الموظف وهو يردد كلمة “الكباب والغياب” بصوت مسموع وفي نفسه غرض , وهو إسماع المسؤول المختص آملاً أن يطلبه إليه ويسأله عما يعنيه من هذا الكلام! وكما دخل خرج أيضاً يردد نفس العبارة “الغياب والكباب” أو العكس مما يدل على أنه لم يجد من ذلك المسؤول سوى الكلام الجميل بينما القبيح مازال في شفرته محفوظاً ولايفك الشفرات إلا رجال مخابرات مدربون على أعلى مستوى . وهؤلاء يحافظون على أسرارهم ويعملون على انتشارهم لمكافحة الإصلاحات الإدارية والمالية بالتنسيق مع غيرهم ممن هم أعلى منهم ويعنيهم الأمر .. “فلا تستغرب أنت في اليمن” , قالها هذا الرجل ومضى إلى حيث لايعرف أحد لأنه لم يقل شيئاً غير ذلك, وهو يغادر المكان.