كتب الكثيرون عن ظهور القات في قاع جهران بمحافظة ذمار كون أحد من اليمنيين لم يدر بخلده أن هوس زراعة القات سيطر على أصحاب تلك الأراضي الخصبة الواسعة لأنهم ليسوا بحاجة إلى أثمان القات وإن بلغت أضعاف دخلهم من الخضروات بكل أنواعها والبقوليات والقمح والشعير والذرة البيضاء والصفراء. إلا أن بريق القات المسموم قد غلب على تفكيرهم واستحوذ عليهم شيطانه مثل غيرهم ممن زرعوه أيضاً في مناطق أخرى من نفس المحافظة وأصبح قات «الذحلة» مشهوراً ويغطي نسبة كبيرة من المناطق اليمنية، ولم تعد تلك الأراضي القريبة من خط الطريق الطويل بين صنعاء وتعز جرداء خالية من النشاط السكاني بل عجّت وتعج بالحياة، وما يدل عليها «كالنُّوب» الحراسية والطرابيل التي توضع فوق دعامات وشباك حديدية في أيام الشتاء لوقاية القات من البرد. ومحصول الشتاء من القات يكون مكلفاً للمزارع من حيث المبيدات التي تسمى (مربي الأغصان) والمياه والحراسة المتواصلة، فإذا كانت كمية بحجم قبضة اليد تباع بعدة أضعاف ثمنها في الصيف فإن ذلك يغري السكان كلهم أو معظمهم على ترك الزراعة الغذائية والتفرغ لزراعة القات والزج بالاطفال والنساء في عملية زراعته وحمايته من اللصوص ومن العوامل الجوية لدرجة أن بعض المنازل ينتقل سكانها بالكامل إلى مزارع القات. وكنت قد نوهت في موضوعين سابقين عن زراعة القات بقاع جهران كان الموضوع الأول يشيد بما قام به محافظ المحافظة على رأس حملة لاقتلاع الشجيرات التي كانت قد ظهرت لأول مرة قبل سنتين أو أكثر، مشيداً به إلى درجة وصفه بالبطل الواعي أكثر من غيره في حماية قاع جهران من اعتداء القات عليه، وتساءلت إن كان غيره سيقوم بنفس الواجب من تلقاء أنفسهم وهم يسمعون عن أضرار القات وخطورته على الزراعة والبيئة والمال والصحة وظننت ان الضربة ستكون قاضية ومنذرة لمن ينوون استبدال زراعة المحاصيل الغذائية بزراعة القات لكن العكس هو الصحيح. أنا لا ألوم المحافظ العمري بل انتقد من موقعي كمواطن يرى في القات شراً مستطيراً على الجميع، ويعترف بذلك المسؤولون أنفسهم، لكنهم لم يحركوا ساكناً ومعهم الاكاديميون والأعيان ورجال المجالس المحلية والنواب والشوريون فهم جميعاً مسؤولون مسؤولية تضامنية أمام الله وأمام الأجيال القادمة التي قد لاتجد أي نوع من الحبوب والفواكه والخضروات تزرع وتؤمن احتياجاتهم من الطعام وإن بدا لي ولغيري ان الشباب من الجنسين انحرف نحو القات بصورة مقززة ولايشبههم في تصرفاتهم أثناء مضغ القات إلا المجانين العدوانيين فهل نقول إن المستقبل الزراعي اليمني مظلم مظلم مظلم.. ؟