تعتبر مسألة الأمن في حياة الشعوب من أهم القضايا الإنسانية، وبفقدها يفقد معنى الحياة المستثمرة، ولذا فإن من أعظم نعم الله على عباده أن يصبح الإنسان آمناً على نفسه, مطمئناً على عرضه، لا يخاف ظلم ظالم ولا جور جائر. وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن من اجتمع له الأمن في وطنه والصحة في بدنه مع وجود قوت يومه فقد جمعت له الدنيا ولم يفته منها شيء, حيث يقول فيما جاء من الأثر: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» أي اجتمعت لديه أسباب النعيم العاجل، ولم يفته من مسرات الحياة شيء. والأمن في البلاد مع الصحة في الأبدان نعمة يجب أن تشكر, فإن من فاتته هذه النعمة لم يسعد من الحياة في شيء, ولذلك جاء في الحكمة: «نعمتان مجحودتان الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان». ويمكن اعتبار الأمن من أهم أسس ومقومات المجتمع الإسلامي، وفي القرآن الكريم بيّن الله عز وجل أنه منّ على أهل مكة بهذه المِنّة العظيمة: «فليعبدوا رب هذا البيت, الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» فجعل لهم هذا الحرم الآمن في الوقت الذي كان الناس يُتخطفون من حوله, ومن أجل ذلك نما المجتمع المكي ونمت تجارتهم, فكانت لهم رحلتا الشتاء إلى بلاد اليمن والصيف إلى بلاد الشام. فراحة النفس لا تكون إلا بالإيمان، ورخاء المجتمع لا يكون إلا بالأمان، والأمان ثمرة من ثمار الإيمان، وحصيلة من حصائل العقيدة الصافية, ونفس لا إيمان فيها تعيش مضطربة، وقلقة، وتائهة، وخائفة؛ وحتى تطمئن النفس لابد لها من العمل بكتاب الله وسنّة رسوله, قال الله تعالى: «أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ». فالنعمة التي نعيشها ليست لمواطن دون مواطن، إنما هي نعمة للجميع، من هنا كان على كل مواطن أن يؤدي واجبه، ويبذل جهده، للمحافظة على استقرار بلده وتقدمها ورخائها في كل موقع وفي كل مكان؛ فنعمةُ الأمنِ إخواني مُهمَّتها ليست موكولةً فقط إلى الجنديّ، ولا إلى رئيس أو وزير، ولكنّها مسؤولية الأفراد كلِّهم على اختلاف مسؤولياتهم، فهي مسؤولية الجميع، ذلك أن الأمن ينتفع به الجميع، وإذا غيّر انضر به الجميع، فكما أنه أنا وأنت ننتفِع بهذا الأمن ونرعى هذا الأمن، إذا سلب والعياذ بالله صار الضرر على الجميع. فعلى الفلاح في مزرعته أن يكون رجل أمن، والصحافي في صحيفته والتاجر في تجارته والمعلم في فصله والطالب في جامعته أو مدرسته أن يكون كل منهم رجل أمن، وأن يحذروا جميعاً من الإشاعات التي تهدف إلى تفتيت وحدتنا الوطنية وتكدير أمننا ونهب خيرات بلادنا. إن مصدر تلك الحملات التي تحدث بين الفينة والأخرى هو الحقد والحسد على النعمة التي نعيشها، حيث نعيش في وطننا آمنين على عقيدتنا الإسلامية وعلى أنفسنا وأعراضنا وأموالنا وعقولنا, لذا فالواجب على كل مواطن أن يحذر من الشائعات المغرضة ويرد عليها باعتبارها معول هدم في تيار الجماعة، تفرق كلمتها وتوهن عزمها وتفيد أعداءها، إن الشائعات كادت أن تقضي على المسلمين في “أحد” عندما أشاع الكفار مقتل الرسول الأمين. وعلى كل مواطن أن يحذر من اتباع الهوى لأنه يقود إلى الهلاك، فالعدل كل العدل أن نعدل مع أنفسنا، ونعطيها حقها من الحفاظ على نعمة الاستقرار في بلدنا، فلا مكان لمغرض بين قوم واعين, ولا مكان لمخرب بين شعب يدرك معنى البناء ويقف حارساً أميناً ساهراً عليه, فنحن نعيش بحمد الله في بلدنا على أرض صلبة، أمورنا واضحة لكل ذي عينين. كما أنها مسؤوليّة كلِّ مواطن أن يسعَى إلى تحقيق هذا الأمن، وأن لا يتعاطف مع أي مجرم وأي مفسد في أي محافظة كانت منعمة بالأمن والاستقرار وأراد المخربون إفزاع أهلها الآمنين، وأن يعلمَ كل مواطن غيور على بلده هذه اليمن أنّ أولئك المخربين والإرهابيين لم يريدوا بوطنهم خيراً، وإنما هم دمى يسخِّرُهم الأعداء، ويسيرونهم كيفما يشاؤون ويخطِّطون لهم، وينفّذ أولئك مرادَ أعداءِ الدين والوطن، إمّا أن يتستروا باسم الدين أو باسم الغَيرة وباسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله يعلم ما وراء ذلك من الشرِّ والفساد. المجتمع في هذا الوطن الحبيب كلهم واجبٌ عليهم النهوض بمسؤوليتهم، والوقوف أمام هذه التحديات بقلوبٍ ثابتة ونفوس مطمئنة وصِدقٍ وأمانة في تحمُّل المسؤولية إلى جانب قيادتهم السياسية ممثلة بفخامة الأخ علي عبدالله صالح, رئيس الجمهورية - حفظه الله ورعاه للوطن. كما أحب أن أذكر بأن أقوى سلاح في بناء الوطن ومجده وإثبات وجوده وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار به، وتحقيق أهدافه الحاضرة والمستقبلية هو سلاح الائتلاف والاتحاد والتعاون والوفاق، وترك النزاع والتمزق والانقسام والتناحر جانباً.. وقد أمر الله جل شأنه بالتمسك والاعتصام بحبله وبالتعاون على الخير وأوصى به, وحذّر من الفرقة والتمزق, وأثنى على وحدة الأمة وندد باختلافها، قال الله تعالى: «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ” وقال الله تعالى: “وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان». فالمواطنون الصالحون في نظر الإسلام شأنهم التعاون على البر والتقوى والتناصر والتكاتف على مصالحهم الخاصة والعامة، أما التفرقة والتخاذل والتمزق والانقسام والتناحر، فإن الإسلام يحاربها، لأنها من عوامل انهيار الأمم، وبقدر ما بين المواطنين حكاماً ومحكومين في الدولة من حسن صلات وتوثيق علاقات، تكون قوتهم، واستقرار أمنهم, وهذا بالفعل ما يتجسد في يمننا الحبيب, يمن الإيمان والحكمة من خلال التفاف الشعب مع قائده وولي أمره الرئيس علي عبدالله صالح. ورسالتنا الأخيرة نقولها.. القول بأن الديمقراطية نقيضة الفوضى وان حرية الرأي والتعبير مكفولة للجميع في يمن 22 مايو مادامت نابعة من الالتزام بالحقوق والواجبات التي كفلها الدستور وبالقوانين الناظمة لممارسة حرية الرأي والتعبير كسلوك ديمقراطي يعكس وعياً حضارياً يضع وحدة الوطن ومصالحه وحاضر ومستقبل أبنائه فوق كل اعتبارات المصالح القبلية والمناطقية والحزبية والشخصية الضيقة, وما عدا ذلك فإنها قضايا قابلة للأخذ والرد والحوار والاتفاق والتباين والاختلاف مادامت تصب محصلتها في صالح الوطن وحاضره وغد أبنائه المزدهر. [email protected]