لايصح ياشباب تعز أن تأخذنا صلابة الإرادة إلى الحد الذي نهدم فيه مبدأ (القدوة) .. وننسى أهمية النجوم لمن يسير في الظلمة ينتظر فلق الصبح. نحن مع إرادتكم الحرة في التغيير السلمي ومواجهة البطالة والفساد وتبديد المال العام فيما لافائدة فيه.. لكن لسنا مع الخلط بين المفاهيم , والفوضى في بعض التصرفات التي لم تعد اليوم كما نراها تفرّق بين الصواب والخطأ في التخاطب مع الآخرين لاسيما إذا كان هؤلاء (الآخرون) قامات علمية ورموزاً ثقافية نذرت نفسها للمعرفة وأعطت للمجتمع الكثير , فنحن نباهي بها في المحافل والمجالس ونعتز بذكرها وبما قدمت للحياة العلمية والمعرفية من خبرات حفظت ماء وجوهنا أمام الجامعات ومراكز البحث خارج الوطن. الأسبوع الماضي ساءنا بل وقفنا ذاهلين ونحن نستمع لهتافات مجاميع من شباب كلية الآداب بجامعة تعز يقدحون ويشتمون أثناء مطالبتهم عميد الكلية بالإيقاف التام والنهائي للدراسة مع أن (الإيقاف) بحد ذاته وبدون صفة (تام) أو (نهائي) يحدث ويفرضه واقع اليوم. كان موقفاً مخزياً ونحن نرى طلاباً يسيئون التخاطب مع واحد من رجالات اللغة والثقافة البارزين في الوطن العربي.. إنه الأستاذ الدكتور عباس السوسوة عميد كلية الآداب الذي يعرفه الناس بأنه أستاذ الأجيال ورجل التنوير في مدينة تعز العاصمة الثقافية لليمن.. ومن هو عباس السوسوة؟! إنه العالم الجليل الذي انفق عمراً في صناعة المعرفة وتقديمها للدارسين في جامعة تعز, وهو اليوم باحث مسن ,ثري الإنتاج وأبحاثه وكتاباته مبثوثة في أبرز المجلات والدوريات العربية, وهو أشهر من أن تعرّف به مقالتي هذه. هل يعرف شباب الآداب أنهم يدرسون في كلية يقودها رجل العلم الموضوعي , المعروف عند أجيال الطلبة والباحثين والأساتذة بشدة إخلاصه وجدّه في عمله وتمسكه بالأنظمة وحياده الذي لايبغي به إلا وجه (العلم) بعيداً عن أية اعتبارات. وهل تناسى شباب تعز أن عباس السوسوة هو رجل المسئولية المشهود له بالنزاهة والصدق والتواضع والزهد بالمناصب وقول كلمة الحق.. وهي أخلاق نتعلّمها منه نحن تلامذته منذ جلوسنا على مقاعد الدراسة في مرحلة البكالوريوس والليسانس وحتى بلوغنا مرحلة الدكتوراه وقد صرنا راشدين أمام أستاذنا المسرور برؤية غرسه ينمو وهو يرويه بعلمه وعطاء فكره. عباس السوسوة باحث موسوعي ورجل قراءة من الدرجة الأولى , يفاخر به أهل تعز , وفي حوزته خزانة ضخمة من الكتب رفد مكتبة مؤسسة السعيد بجزء كبير منها، فكان واحداً من كبار المساهمين في تأسيسها الذين تحفل بأسمائهم لوحة الشرف المعلقة على اليمين من صالة الاستقبال لتخلّدهم عبر التاريخ رموزاً ثقافية أسست لمجتمع المعرفة في مدينة تعز.. مدينة الثقافة والفكر. فمن نحن إذاً شباب تعز؟! وماعسانا أن نكون أمام جبل من جبال العلم لايضيق بمتعلم ولايهمه شيء في مسيرته العلمية سوى تقديم مافيه نفع وفائدة لجموع المتعلمين.. وأي جرأة هذه عندما يقول البعض: (سنحاكم عباس)؟! لأنه لم يقل:أغلقوا أبواب الكلية كلها!! عيب ياشباب.. الكبار يظلون كباراً ولحوم العلماء مسمومة.. وسيظل منطق الأبوّة ينفح بالدرر من فكر هذا الرجل العالم لاسيما وهو يقول في خضم هذه الأزمة :(إني أخاف أن يتفلّت من يدي عام جامعي ولم أقدّم فيه للطلبة شيئاً يرتاح له الضمير)!!.