لقد كانت الثورة الليبية أشبه بالمعجزة، لقد قامت هذه الثورة ضد نظام رجعي قمعي دموي متخلف مجنون، ولأن الوضع كان هكذا استثنائياً كانت الثورة الليبية استثنائية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ حيث انطلق الشباب الليبي في ثورة لم يتوقعها أحد، وفي تحد واضح أعلنوا يوم انطلاقتها قبل اندلاع شرارتها بأيام، وربما أسابيع في تحد قوي وواضح لديكتاتور مجنون لا يرحم. صحيح أن المصريين أعلنوا اليوم الذي ستنطلق فيه ثورتهم في تحد مشابه للتحدي الليبي، لكن المصريين كانوا متعودين على التحدي وعلى الدعوات لفعاليات واعتصامات ومظاهرات ومهرجانات، وإن كانت تقام على استحياء وفي مساحات مغلقة ومطوقة بقوات الأمن المركزي، لكنها كانت تقام هذه الفعاليات، وإن كانت هذه المرة الدعوة أقوى وأعظم وأكثر تنظيماً وأبلغ من سابقاتها؛ فهي دعوة للثورة على نظام مبارك ولإسقاط نظامه، وليست دعوة لتحرك ما ضد مشروع صغير أو للمطالبة بمطالب عادلة كان يتم تجاهلها وعدم التعامل معها، بغض النظر عن الاحتجاجات التي تحدث من أجلها وبسببها. أما الليبيون وإن كانت لهم ثورات من قبل تم قمعها وإخمادها بكل وحشية ودموية وكانت بنغازي هي مسرحها، وأشهر مجازر القذافي مجزرة سجن بوسليم وقعت ضد أبناء بنغازي، والتي توقفت الاحتجاجات بعدها، وربما تم إسكات أي تحرك بعدها قبل أن نعلم به، وربما كانت هناك احتجاجات قمعت دون أن يعرف بها أحد، ووحدهم الذين قاموا بها يعرفونها. فهذه المرة وفي أجواء ربيع عربي مثمر فإن الشباب الليبي يرى أن الوقت مناسب للتحدي وللثورة، واضعاً في حساباته أي رد فعل همجي قد يقوم به النظام، ومستعداً لدفع الثمن مهما تكن جسامته وثقله وحجمه. إن الذين دعوا لثورة السابع عشر من فبراير يعرفون أن مخاطر الثورة على نظام العقيد عديدة وجسيمة، وأن هذه المخاطر تتمثل بالموت والقتل والسجن والإخفاء والإعدام، ورغم معرفة الشباب الليبي بكل هذه المخاطر، إلا أنهم أعلنوها على الملأ في تحد عظيم ومبهر للمتابع القريب والبعيد، وبالفعل انطلق التحدي، وكان أبناء ليبيا بكل فئاتهم العمرية عند مستوى التحدي شبابها وأطفالها، وحتى الذين لم تتح لهم فرصة الثورة من قبل وقفوا بقوة في صف شباب ليبيا الأحرار، وانطلقوا في ثورة عظيمة وملحمة واقعية شهد بعظمتها الجميع. انطلقت الثورة من كل الأرضي الليبية شرقها وغربها، وكان زخمها في بنغازي، وبدأ النظام الهمجي يترنح ويفقد السيطرة على قواته التي انظم منهم الكثير إلى الثورة، وبدأت المدن تتحرر، مما أفقد النظام صوابه؛ فوجّه كل قدراته العسكرية باتجاه مواطنيه العزل الذين أرادوها ثورة سلمية فأرادها القذافي ثورة مسلحة، سطر فيها الشباب أروع الملاحم البطولية من أجل نيل الحقوق والحريات، وانحاز الكثير من رجالات الدولة إلى صف شباب ثورة السابع عشر من فبراير، واضطر العالم أمام إصرار وفدائية الشاب الليبي أن يقف في صف الثورة، ولم يسمع لهرطقة القذافي ونظامه وأبواقه الذين اتهموا الثوار بكل التهم الباطلة والساذجة، ابتداءً بتناولهم لحبوب الهلوسة، مروراً باتهامهم بالانتماء لتنظيم القاعدة، وليس انتهاء باتهامهم بالعمالة للخارج ولإسرائيل التي حذر القذافي في مرحلة من المراحل وفي لحظة ضعف وضعه الثوار فيها بأن انهيار نظامه خطر فادح على الكيان الصهيوني. نعم نجح التحدي ونجحت الثورة، وأصبح نظام القذافي ذكرى سيئة، ونحن على ثقة أن الذين رفعوا لواء التحدي في وجه القذافي ونظامه هم قادرون على أن يربحوا أي تحد آخر، مهما كان شكله ومصدره، وأن المؤامرات التي تستهدف إشعال صراعات داخلية وقبلية لن تمر على شباب ليبيا الأحرار، وأن الذين استطاعوا القضاء على القذافي ونظامه هم قادرون بفضل الله على القضاء على هكذا صراعات، وأن ليبيا التي تحملت نظام القذافي طوال أربعة قرون قادرة على تحمل إرهاصات الثورة وما نتج عنها من صراعات بين الأطراف المختلفة والقبائل المتناحرة، وأن الاستقرار والرخاء سيعم ليبيا في القريب العاجل. Ialalalwhy@ gmail.com