من منّا لا يريد أن نكون أحراراً في وطننا هذا..؟! من منّا لا يريد أن يتشرب شعبنا بالثقافة التحررية التي لو ترسّخت في وعيه وسلوكه لأكسبته حصانة إيمانية صلبة من محاولات استعباده وفرض قيود العبودية القبلية أو الدينية أو العسكرية السائدة الآن في أغلب مناطق اليمن وأكثرها كثافة سكانية..! حقائق التاريخ تقول بأننا - لسوء الحظ - شعب غير مكتمل في ثقافته التحررية، وأنه ميَّال لعبادة الأشخاص، ومكبَّل بفروض الطاعة والولاء الفردي أو الشخصي..! ولهذه الحقائق شواهد شاهدة على واقعنا اليوم؛ حيث الوطن ممزق والناس مشتتون ومتشظون في ولاءات ضيقة قبلية وعسكرية وسياسية ودينية يتنازعها ما يشبه أمراء الحرب في الصومال.. وهم هنا أمراء الحرب والثروة والفساد والإفساد. وهذا الحال ليس بغريب؛ فالناس هنا لايزال الكثير منهم مشدوداً لعبادة الإمام وحكم الإمامة المنتهي قبل خمسين عاماً ..! بل إن كثيراً من التقاليد الحياتية والعملية والإدارية متوارثة وراسخة اليوم من عهد الإمامة..!. ويمكنك أن تجد مديراً أو قائداً معتقاً أو مسؤولاً ما، لا يروق للناس استبداله أو تغييره، بل يفضلونه باقياً أبدياً على سيئاته، وكأنهم في عداوة تاريخية مع التغيير وسنن التجديد والتحديث..! وإلا بماذا نفسّر عدم تحررنا من ثقافة الإمام الذي لايزال حاضراً في حياتنا حتى اليوم بعد خمسين عاماً من رحيله..؟! ثم أليس هذه الثقافة مكبَّلة ومحبطة لإرادة الناس وطموحاتهم؟! وهل نحتاج الآن إلى خمسين عاماً أخرى حتى نتحرر من الحكم السابق الذي قامت ضده الثورة الشبابية السلمية المغدور بها..؟! نحن لا نؤمن بأن هذا الشعب سيظل سجيناً للعبودية، وأنه لابد أن يتحرر يوماً ما؛ لأنه يعشق الحرية، ولا نؤمن إلا بأن لديه ثقافة تحررية، لكن علينا الاستفادة من حقائق التاريخ؛ فالذي حدث مع ثورة 26 سبتمبر من التفاف عليها وإفراغها من مضمونها بالاتفاقيات المشبوهة، يتكرر اليوم - والتاريخ يعيد نفسه - مع ثورة الشباب السلمية بنفس السيناريو؛ لإفراغ هذه الثورة من محتواها وإفشال أهدافها، باتفاقيات سياسية وصفقات مشبوهة وغير أخلاقية بين المتنفذين في مراكز القوى السلطوية القبلية والعسكرية والدينية والسياسية..! فنحن - للأسف - لنا قصة مختلفة مع الربيع العربي لا تشبه ثورات تونس ومصر وليبيا التي أصرّت شعوبها على الانتصار وإسقاط الأنظمة وإحداث التغيير.. بينما رضخنا نحن للمساومة والبيع والشراء بصورة فجَّة وفاضحة..! وما نستطيع أن نؤكده الآن هو أن شعبنا في الجنوب يظل مستعداً للعمل والتضحية من أجل اليمن وخير اليمنيين، ولكن بعد أن يتغلب شعبنا في الشمال نفسه على أزماته المعقدة وفشله الحقيقي في التحرر من القيود التقليدية المتخلفة وعجزه عن بناء الدولة وإقامة الوحدة الجاذبة، وألا يعطي الفرصة للمستغلين – اللصوص - ومصاصي عرَق ودماء الشعب في طعن اليمن وتدميره ثمناً لبقائهم واستمرار مصالحهم وهيمنتهم ونفوذهم..!