هلاّ انتظرهم الموت حتى يفرغوا من العروض الأولى، من الفرح بالعيد الاول؟ هلاّ انتظرهم القاتل قليلاً ليتسنى لأبنائهم الصغار، وأمهاتهم وزوجاتهم مشاهدتهم ومعانقتهم ولو من خلال شاشة التلفزة. كان سيكون لهذا العيد (22 مايو) مذاق آخر ببقائكم بيننا ومعنا؛ لكننا لن نخفيكم حقيقة واحدة، أننا سنحتفل بكم،سنذهب لنخبئ الفاجعة في الصدر، ونحن نضع اكليل الزهر على القبر، حتى يبقى العيد ذكرى ولو مؤلمة أو ندبة سوداء في جباهنا وانتم في غياب عنا، لكن هذا الاكليل رسول الفرح والغصة بيننا وبينكم، سننشد لكم اغنية الحرية، والتضحية والفداء، سنعترف بأنه سيكون فرحاً محمولاً على القهر، وبتجشم مخنوق بطعم المرارة، وستكون أصواتنا مبحوحة، نفوسنا مشروخة، لكننا سنفرح بكم ، ولكم، ومن أجلكم أنتم أيها المخلصون. أتدرون لماذا.. لأنكم أضفتم فضيحة على فضيحة للمتربص القاتل، كشفتم حقيقته كاملة، وإلى أقصى حدود السفور، في احتراف مهمة مهنة الاجرام، فكنتم له في الموعد، ليحتفل هو على طريقته. استيقظتم صباحاً استعددتم للقاء الموت،كان يختبئ لكم بين الصفوف.هل ارتدى بزته المخيفة؟ربما فعل كما تفعلون، هتف، وصفق واخترق الموانع الأسمنتية والجسدية،والنفسية، هكذا قالت لنا الأخبار، وأكدت بأن عزرائيل نسي أن يتناول فطوره صباح اليوم، ودفعوا به للقيام بأداء العرض معكم.برفقتكم، هل تتذكرون كم مرة تخليتم عنه؟ وهاهو يباغتكم في ساحة العروض.مخلفاً أكثر من السبعين والتسعين، كان صباحاً مغايراً في حياتنا - لكن صدقونا - تعودنا عليه، باتت الجثث المتطايرة؛ جزءاً من مهنة حزن شعب بأكمله، يحترف الوجع،ينزف بالبكاء قوته اليومي، وكل صباح يفتح الوطن دواليبه السوداء. شهداؤه في تساقط مستمر، أشلاء متناثرة،ودم ينقر زجاج قلوبنا.الحادثة مشهدنا المروع، حلقة ربما واحدة ضمن مسلسل الفجائع المتوالية، لكأن هذا الوطن يراد له أن يحمل ابناءه على النعوش، لا أن يحملونه على أكتافهم إلى المستقبل. هذا وطن جميل..لا ينقصه بشر محبون له، ولأهله، ما يبدو تراكم قلة من الأشرار يضخون فى وجهه الرصاص والبارود، يفجرون أنهار الدماء، وليس الحب والخير والعافية. هذا وطن يريد بشراً يفرحون له،يضحكون معه.. لا يوقعون به، ولا يضحكون عليه، لايقدحونه، ولايذمونه، ويعيثون به فساداً على كل المستويات القبيحة. بشر يتعايشون لأجل الحياة والسلام،لا يفتكون به،و يعبثون بمقدراته..بشر يتركونه بخير وعافية،لا يشعلونه بالحرائق، بالدمار والشتات، عنوانهم المسطر حدث صباح الاحد الحزين. على عتبات الموت لم يخلعوا بزتهم العسكرية، ذهبوا بها إلى حيث لا يعودون، لاستبدالها، والتقاط لحظة هدوء وراحة، لقد تركوا لنا، للمشاهدين التقييم، والفرجة المثخنة، تركوا لمن خلفهم من الموجوعين الصبر الطويل.أو بالأصح لمن ينتظرون مصيرهم الشريف، لطالما والمجرم يحيك مشروعه الخرائبي،حيث يغلي مرجل الانتقام،يبعث شرر الحقد،ويوزع شظاياه في كل منعطف وساحة، إذ تعود اليمني منذ اندلاع الثورة الشعبية قبل عام - وحتى الآن- على أن يسقط اخوة لهم ورفاق، في وضح النهار.وعادة أمام عدسات المصورين. هذا نهار كئيب،متشح بالسواد وحرقة الضغينة. ما حدث أمس الأول جريمة مشهودة.تفتح كل الاحتمالات السيئة،ولا شيء أسوأ من أن تتساوى احتمالات الموت والحياة في ظل مخطط الأشرار (العرقنة، والصوملة) ولا خيار ثالث بينهما بالنسبة لصيادي أرواح الأبرياء، منبتوا الفجائع المتتابعة، غير أن اليمنيين سيتجاوزونها. ألم يمر الغزاة-جميعهم-من هنا ولم يكونوا سوى أسماء عابرة، لم تستطع أن تأخذ من ذاكرتنا الوطن، ترابه الذهبي الحي، ومن البحر زرقته.وفي كل جولة نحو قضيتهم الحرية؛يقدم الشرفاء التضحيات، قرباناً على مذبح اليمن، والقضية، فكانت حبات دمهم سنابل تزرع وتغذي العمر واليقظة للغد المرتقب. وإزاء كل هذا المناخ الشرير الآخذ في التوسع، لا نملك سوى أن نقف وجلين،تتلبسنا الحيرة،ولا يتركنا القلق من القادم،من المجهول بكل غموضه وضرباته.لا نملك لمن يسقطون غيلة سوى أن نقول لهم: غدر بهم القاتل، لم يراعِ مشاعر الحق في الاخوة والإنسانية.الحق في روابط الدم اليمني، لكن لن نترك الموت يهزمنا. [email protected]