بعد رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر – و الذي وصلت القومية العربية في عهده إلى ذروتها و أوجها – بدأت القومية العربية في الإنحسار , و بدأ العالم العربي يدخل في غيابات الجُبِ و عهود الظلام , و وصف العالم العربي ب“الرجل المريض” كما كان يوصف في بداية القرن الماضي حين هبّت رياح الاستعمار عليه من كل مكان . و كان الأمل في استعادة الروح القومية العربية يكمن في العقيد معمر القذافي الذي نشر في إحدى الكتب التي تمدحه و الذي كان بعنوان “ القذافي رسول الصحراء” من تأليف كاتبة إيطالية , نُشر في صفحاته الأولى رسالة من الزعيم الخالد جمال عبد الناصر بخطِه و توقيعه عبارة تقول :“ الأخ معمر القذافي أترككم وأضع مصير الأمة العربية في أيديكم” , لكن الأحداث الأخيرة أثبتت أن العقيد معمر القذافي كان أبعد ما يكون عن الفكر الناصري و منهجه , واتجه العرب نحو بغداد و رئيسها صدام حسين عسى أن تفيق القومية العربية من هناك , و لكن دخول صدام حسين الكويت عام 1990 م كان المسمار الأخير في القومية العربية , حيث انقسم العرب إلى أجزاء و شظايا , ولم يبق من الداعين للقومية العربية سوى النظام السوري الذي أثبتت الأحداث الأخيرة أنه نظام قمعي مستبد و ليس له صلة بالقومية العربية و أهدافها . كل ذلك أسال لعاب القوى الاستعمارية على احتواء العالم العربي - - فهبت إيران من الشرق تحت غطاء حماية الشيعة و مساعدة الفلسطينييّن ضد إسرائيل ,ً و تدخلت أمريكا و دول أوروبا في الحرب في ليبيا ضد القذافي , و الآن تُحاك المؤامرات للتدخل في سوريا ضد النظام السوري المتمسك بالسلطة حتى آخر نفس و حتى آخر طفل سوري. إلّا أن ثورات الربيع العربي جاءت لتعيد الأمل للشعوب العربية , جاءت لتعيد للأمة حرية اختيارتوجهاتها طبقا ً لمصالحها لا طبقا ً لمصالح فردية أو حزبية أو أسرية ضيقة. جاءت ثورات الربيع العربي لتعيد للإنسان العربي هويته القومية و العربية و الإسلامية , جاءت لتكشف الأقنعة عن رؤساء ظلوا يكذبون بأنهم حُماة للقومية العربية و للإسلام ردحا ً من الزمن وهم بالحقيقة حُماة لمصالحهم الشخصية و العائلية . في مصر حيث ظهر الفكر الناصري فكرا ً قوميا ً يدعو إلى تحقيق الوحدة التي ستجعل العالم العربي قوة سياسية و اقتصادية مؤثرة في العالم بأسرِه و مشاركه في وضع القرارات لا مُتلَقيه لها و مُنفذه , لا سيما و العالم العربي يمتلك كل مقومات الوحدة . و في مصر أيضا ً و في أوّل إنتخابات رئاسية حُرّة و نزيهة ظهرت مفاجأه من العيار الثقيل لم تكن متوقعة وهي ظهور/حمدين صباحي الناصري المعروف منافسا ً قويا ً ويحصد ملايين الأصوات بعد أن كُنّا نعتقد أن الناصرية قد تم القضاء عليها في عهدي السادات و مبارك . ظهور حمدين صبّاحي في مصر مُحتلا ً المركز الثالث في الانتخابات المصرية يُعتبر مؤشرا ً قويا ً بأن الناصريين قادمون , و إذا كانوا قادمين في مصر فسيكونون قادمون في اليمن و الدول العربية الأخرى. فهل يمكن أن تُعاد القومية العربية إلى ذروتها و إزدهارها في مصر كما بدأت كضرورة لمواجهة الأطماع الإيرانية و التركية في الوطن العربي , وهل يمكن أن نتنبأ بأن يكون عبدالملك المخلافي – مثلا ً – صبّاحي اليمن في الانتخابات الرئاسية اليمنية بعد عام ونصف من الآن . جامعة تعز