“الحرب هي السلام والحرية هي العبودية والجهل هو القوة”، كان هذا هو شعار الحزب السري البوليسي الذي يقوده الأخ الأكبر ضد المعارضين. في رواية مثيرة تنبأت في وقتها بانهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية وثورات العالم الثالث الحالية، التي تحاول أن تغير الواقع المر، أملاً بحياة جميلة خالية من القهر والظلم لشباب آمن بالحياة، ضد القوى الظلامية - بحسب العديد من النقاد لهذه الرواية وصاحبها المؤلف البريطاني - إذ يسيطر الأخ الأكبر على جميع تفاصيل حياة سكان “أوقيانيا”، الذين يعيشون تحت المراقبة المستمرة طيلة حياتهم, ويتحكم بمشاعرهم ويلغي أغلبها مع إبقاء الغضب والكراهية والشك بالذات وبالآخرين. إنها تتمتع بمحور آلية استبداد الحكم الشمولي وأساليب السيطرة على حياة المواطنين, ليس فقط بترويضهم عن طريق تنمية الخوف, وإنما بإلغائهم كبشر وإلغاء جميع المشاعر والأفكار التي يمكن أن تؤدي ولو بشكل بسيط إلى الشك في إمكانية وجود خيار مختلف عن الولاء الكامل للأخ الأكبر وتسليم زمام كل شيء ليده. تنسحب هذه الرواية التي يحمل عنوانها الرقم 1984على واقع الرئيس السابق، ليس حينما كان يحكم، ولكن أيضاً وهو مايزال حاضراً في تفاصيل الأحداث في البلاد، يركض خارج القصر الرئاسي، بما يمكنه من المراقبة فقط بحجم الانتقام. الرواية التي كتبها جورج أورويل، عقب الحرب العالمية الثانية, تتناول مجتمعاً شمولياً يحكم بواسطة شخص (الأخ الأكبر) الذي يمثل الحزب الحاكم، والذي بنيت سلطته على القمع وتغيير وقائع التاريخ السابق والحالي، نظام يحصي على الناس كلماتهم وخطواتهم، لا وبل حتى أنفاسهم، محولاً العلاقات الإنسانية من حب وعاطفة وزواج وصداقة إلى علاقات غير مشروعة، ومراقبة دوماً مجرداً الناس من أي تفرد ويخضعهم إلى نظام واحد، مجرد أدوات للإنتاج.لا وبل يمنع عنهم حتى التفكير؛ إذ إن الأخ الأكبر هو من يفكر والآخرون عليهم التنفيذ فقط. إسقاط حالة الرجل على ما يجري الآن في البلاد، ربما تكون أقرب بكثير إلى شخصية بطل الرواية “ونستون” الشمولي، مع إضافة الأسلوب الانتقامي للرئيس السابق، وحزبه يحصد عدداً من الحقائب الوزارية، وهناك من الشخصيات، ممن كانوا بمثابة عيونه في الحزب، يعاودون إلى صدر واجهة المشهد ومحاولة تصدر اللحظة، بعد أن قتلت أجهزته السرية والعلنية من الشباب من قتلت واعتقلت من اعتقلت، ويأتي هذا الأداء بعد أن كادت الثورة تصل أوجها، وتبلغ مقصدها النبيل، بالإطاحة بكل هؤلاء. طيلة عام ونصف، واليمنيون يصرخون في الساحات والمنازل والمكاتب، سقط منهم من سقط مضرجاً بالدم، وفارق منهم من فارق الحياة، شهداء الحلم المخطوف سيبقون كذلك، بعضهم ترك أسرة بكاملها في متناول الفاقة تنهشها أبسط الاحتياجات، والبعض الآخر يرقدون في المشافي والعيادات تعوزهم أبسط الأدوية. وحتى الآن ليس لديهم من معين، ما الذي كان ينقص هؤلاء أكثر من أن يفقدوا أحباءهم وأقاربهم، ليشعروا الآن بأن الذي حصل كان مجرد نزوة، وأن القتلة وجلاوزة النظام السابق يحاولون استعادة أمجادهم وتنتشر صورهم في الأزقة والأحياء الخلفية والأمامية؟. حصل ذلك ليلة معاودة صادق أمين أبو راس إلى صنعاء، غطت صوره شوارع العاصمة، وأخذت زفة حزب الحصان كل الوسائل والطرق لإغاظة أهالي المكلومين. سمعت أبو راس يتحدث كان كلامه نوعاً من تطبيب الجراح، وعلته لغة التسامح، بعد أن فقد إحدى قدميه وشوه وجهه. في حقيقة الأمر أنا لست ضد هذا الشخص أو غيره، ولكن يجب أن يكون تعاملهم أكثر رقياً واحتراماً لمشاعر أهالي الشهداء والضحايا، ويجب أن يشعر أعوان الرئيس السابق ورجاله أنهم السبب بكل ما لحق بهؤلاء الأبرياء، وهذا الوطن من دمار وخراب، وعليهم أن يعلموا بأنهم مدانون حتى آخر يوم في حياتهم، من أبو راس إلى عبده بورجي ورشاد العليمي ممن يستعدون للعودة إلى البلاد، أو من هم هنا كالجندي والبركاني وغيرهم. ولا أجد من الضرورة بأن تأخذهم العزة بالإثم فتقوم الدنيا ولا تقعد لعودة أحدهم إلى البلاد، وتدق له الطبول وتقام حفلات الاستقبال؛ كأنها عودة المنتصر من أرض المعركة. يجب أن يدرك هؤلاء بمن فيهم شلة الزار المؤتمري الغبي، من يتمترسون خلف الرئيس السابق. إن الناس مايزالون مؤمنين بثورة التغيير، ينتظرون حصتهم في العمر المهدور من أدنى متطلبات العيش والحياة، ولا يمكن لهم أن يواجهوا القتل طيلة سنة ونصف ويتبعه الاستفزاز بأنشطة سيئة، وولائم مفتعلة من يوم لآخر، تثير حفيظة اليتامى، وتجعلهم يفكرون بالانتقام. إذا استمر هذا الأداء الانتقامي من هذا الرجل ومعاونيه سيجعل الأمر يأخذ شكلاً آخر، وقد تعود الأمور إلى نقطة البداية. على هؤلاء المدوخين المقيمين في غيبوبة جمعة الأمان، المدانة، وبما كسبته أيديهم، عليهم أن يعوا أن الرجل والشلة المقربين منه لايزالون يستثمرون جراحاتهم ويزايدون بأسمائهم. لقد مرت الصحبة في القصر طيلة ثلاثين سنة سريعة، وتلقيتم بعد نعيمها ما لم تكونوا تتوقعونه خلال عام، ومع ذلك ماتزالون في شر أعمالكم تتمرحلون، متى ستتأكدون بأن هذا الرجل يلعب دور”الأخ الأكبر” ضدكم وبحقكم أنتم قبل غيركم؟. [email protected]