يحل عيد الفطر المبارك على الأمة العربية والإسلامية وعلى المسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربها على امتداد العالم الرحب إيذاناً بنهاية شهر رمضان المبارك وانتهاء فريضة الصيام التي كتبها المولى سبحانه على عباده المؤمنين شهراً من كل عام؛ ليقف المسلمون في كل أرجاء الأرض لأداء صلاة عيد الفطر المبارك في آن واحد وساعة واحدة حمداً لله على إتمام فرض الصيام وطاعة الملك العلام، مكبرين ومهللين، وكأنهم على صعيد واحد، راجين من الله سبحانه الثواب والأجر الجزيل، وسائلين ربهم أن يتقبل صيامهم وقيامهم، مستلهمين في غمرة فرحة العيد وإشراقاته الدروس والعظات والعبر من الشهر المبارك الذي تتجدد فيه مشاعر الإيمان ومفاهيم ومعالم وتعاليم الدين الحنيف. ويأتي هذا العيد المبارك في ظروف صعبة تعيشها الأمة الإسلامية والعربية في ظل الشتات والانقسام الحاصل ودعوات الفرقة والتجزئة والنزعات المذهبية والطائفية المقيتة لتعيد إلى الأذهان بوقفة العيد وشعائره وحدة المسلمين وضرورة استلهام المفاهيم العميقة والمبادئ السامية التي جاء بها الإسلام وحثت عليها تعاليم الدين الحنيف، الداعية إلى وحدة المسلمين والاعتصام بحبل الله جميعاً، وترك النزاعات والخلافات التي تذهب بريح الأمة الإسلامية وعظمتها قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخواناً) سورة آل عمران 103، وقوله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) سورة الأنفال 46. ونحن في اليمن السعيد نحتفل بهذه المناسبة المباركة في أجواء صعبة أكثر تعقيداً من قبل، وظروف اقتصادية ومعيشية قاهرة؛ بسبب تأخر التغيير وعدم اكتمال مسيرة الثورة الشعبية الشبابية في إحداث التغيير المنشود للوصول بالوطن اليمني إلى شواطئ الأمن والاستقرار والاستقرار السياسي والاقتصادي، والذي انعكس سلباً على الوطن وأبنائه، وانعكس بثقله على حياة غالبية الأفراد والأسر من أبناء الشعب، خصوصاً الفئات الفقيرة والمسحوقة التي لا تجد في أيديها من المال ما يستوعب احتياجات ومتطلبات العيد، في ظل العوز والفقر وشحة الدخل وغلاء الأسعار، لتفقد العيد جوهرة من الفرحة والسرور، لولا فضل الله على عباده، إنه هو العزيز الحكيم، وهو الرؤوف الرحيم، ولذلك نجد كل الناس على اختلاف فئاتهم وطبقاتهم وشرائحهم يحتفون بهذا العيد ويعيشون أفراحه ومباهجه ولحظاته السعيدة رغم اختلاف الظروف المادية والقدرات وتفاوتها؛ فنجد أن العيد موسم للبهجة والسرور والسعادة التي ترتسم على الوجوه جميعاً وكأنها - أي فرحة العيد - هبة ربانية لا يستثنى منها أحد إلا نزر يسير من الناس لأسباب خاصة لا تمت للعيد وقدراته بصلة، لكن في ظل الفرحة والبهجة الطاغية وأجواء العيد السعيد نستشعر ملامح المعاناة والهموم ومكابدة أرباب الأسر في النهوض بمتطلبات العيد واحتياجاته، وكأنهم يرسمون بظروفهم هذه ومعاناتهم ملامح صورة مشاعرهم وأحاسيسهم في العيد بالبيت الشعري الشهير لشاعر العربية الأكبر أبوالطيب المتنبي حين قال: عيد بأية حالٍ عدت ياعيدُ لما مضى أم لأمرٍ فيه تجديد؟ إن من الضرورة بمكان أن نستشعر في هذا العيد المبارك جميعاً وخاصة أولئك النفر من القادة والسياسيين ورموز الوطن في هذا العيد أهمية التراص وتوحيد الصف الوطني وضرورة الالتقاء على كلمة موحدة تتضاءل أمامها المصالح والمكاسب الفردية والسياسية وتلتقي على المصلحة الوطنية العليا وتغليبها من أجل وحدة الوطن والشعب وإدراك مخاطر النزعات والخلافات السياسية والمذهبية في تفتيت الوطن وإضعاف قوته وحضوره السياسي وإدراك ذلك العبء الثقيل الذي خلفته الانقسامات والصراعات خلال فترة قصيرة مضت على كاهل الشعب والوطن والمواطن البسيط الذي لا يجد قوته وسبل الحياة إلا في ظل الاستقرار التام والظروف الطبيعية للحياة في البلاد. إننا في ظلال هذه الفرحة الغامرة والمناسبة السعيدة لا يسعنا إلا أن نمد أكفنا إلى الله سبحانه وتعالى، سائلين أن يمُن على هذا البلد السعيد بالسعادة الدائمة والاتفاق والوفاق الذي ينسج في طياته الاستقرار السياسي والأمن والسكينة ووحدة الوطن والشعب، وأن يكون الحوار الوطني المقبل فاتحة خير من أجل يمن مستقر ومزدهر تتلاشى في ظلاله كل التحديات التي أوهنت الوطن ومزقت عرى الوحدة والألفة والاتحاد وخلقت مخاوف شعبية واسعة من امتداد الأزمة وتداعياتها على الشعب ووطن الحكمة والإيمان، و«إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». أعاد الله هذا العيد المبارك على اليمن باليُمن والبركات، ووفق الله خطى كل الشرفاء لإخراج البلد من واقعه الاستثنائي الصعب إلى واقعه الطبيعي المألوف وواقعه الذي ينبغي أن يكون عليه. والله الموفق.. وعيد سعيد مبارك على الجميع.