الثورة عند البردوني فكرٌ, والفكرُ عنده ثورة, ولذلك فهو يرى أن الثورة مشروع مستمر إلى أن تتحقق أهدافها الرامية إلى إقامة المجتمع, الذي يسوده العدل والمساواة والحرية, وبتعبير البردوني نفسه (الثورة مستمرة حتى تجتاز كل أشكال المحسوبية والنفعية والانتهازية..) فالثورة ليست مجرد حالة انفعالية, بل حركة دائمة وفعل مستمر, فالثورة مستمرة, و تبني قواعدها على أصح أساس, إن عرفت غايتها من أعلى القواعد, لأنها تتحرك بالشعب وللشعب. وفي ساحة السجال الدائر بين القائلين بأن الثائر نتاجٌ لثورية مجتمعه، وبين القائلين بأن الثائر يخرج على تقليد مجتمعه ويكسر الحواجز, التي صنعها المجتمع بوعي أو بدون وعي, نجد البردوني يعبّر عن موافقته الرأي الثاني بقوله: الثائر يخرج من تقاليده لكي يثبت حقيقته التغييرية, ثم ينتقل من حقيقته إلى تغيير من سواه.. وهنا يتبادر إلى ذهني تساؤل: هل ثوار فبراير اليوم خرجوا عن تقاليدهم وانتقلوا إلى حقيقتهم التغييرية الثورية حقاً وبالتالي أصبحوا مؤهلين ويستطيعون تغيير من سواهم؟ في الحقيقة لا أظن ذلك ملموساً, اليوم هناك كثير من الثوار لكن الثورة أصبحت لدينا فقط تجمعاً أسبوعياً لأداء فريضة الجمعة, وبتسميات تزيد من الوهن والتيه الثوري وتخدم الطغاة حتى مسيرات التصعيد الثوري أصبحت رهناً لرغبة ومزاجية الأحزاب, فهل ثورتنا مستمرة ؟ إن مهمة تحقيق الثورية وأهداف الثورة مهمة شاقة, ونحن جعلنا منها أكثر عناء ومشقة بحصرنا للثورة في الساحة والخيام وولاءات البعض الضيقة لأفراد ومناطق ولم نحولها سلوكاً ونهجاً مستمراً باستمرار سيادة المصالح بعيداً عن مصلحة الوطن. مازال وللأسف غالبية من حملوا مسمى ثائر, ونالوا شرف المشاركة في الثورة تحت عبودية الحزبية والأشخاص لم يستطيعوا الخروج عن التقاليد، لذا لم تدب فيهم روح الثورة إلا إن كانت بأمر وغاية بعيدة عن مصلحة الجميع والوطن. متى سنعرف أننا لنا الحق في هذا الوطن تماماً مثلهم وليس من حقنا العناء فقط؟ إن تحقيق الثورية مهمّة شاقة لا يقتدر عليها إلا أقوياء النفوس ولكنّها ليستْ مستحيلة, ولا أقوياء النفوس من الندرة, وإنما هم كثرة بكثرة الشعوب وبديمومة نضالها. وهنا وكأن البردوني يبث فينا روح الأمل بأن طريق حلمنا المنشود شاقٌ, لكن تحقيقه ليس مستحيلاً فالهدف من الثورات كما يؤكد الثائر البردوني (تحطيم ما كان وإقامة ما ينبغي أن يقوم..) فهل وصلنا نحن بثورة فبراير نحو هدفها العظيم؟ يبدو أن هدفنا العظيم مازال مرهوناً بوعي وفكر الثوار أنفسهم, بعيداً عن آليات المبادرة والتزامات الساسة, فلا ركون, وأعلموا أن تلك البنود ستظل حبراً على ورق دون ضغط شعبي وثوري قوي يحطم ما كان حقاً ولا يرضى أبداً بعودته ولو متنكراً بقناع الوفاق . فالثورة الكاملة كما يصفها البردوني تبدأ حسّاً بالتغيير ثم وعياً بنوع التغيير ثم خلق ملكات جديدة تتناوب المواقع وتتآزر على بلوغ الهدف فيحل الأجد مكان الجديد عن تواصلٍ يتلو تواصل.. والمقصود من ذلك ضرورة استمرارية الثورية جيلاً بعد جيل حتى تتحقق الأهداف.. من خلال هذا الاستعراض السريع لبعض أفكار الشاعر الكبير عبدالله البردوني حول الثورة أصل إلى نتيجةٍ قطعيةٍ مفادها: أن البردوني لو كان حيّاً الآن لما اختار طريقاً سوى مواصلة واستمرار الثورة.. أخيراً تحضرني هذه الأبيات لبصير اليمن البردوني.. فهل نكون كما رآنا يوماً البردوني: والأُباة الذين بالأمس ثاروا... أيقظوا حولنا الذئاب وناموا حين قلنا قاموا بثورة شعبٍ... قعدوا قبل أن يروا كيف قاموا ربما أحسنوا البدايات لكن ... هل يحسون كيف ساء الختامُ المصادر: اليمن الجمهوري - أشتات - البردوني. رابط المقال على الفيس بوك