جرت العادة على أن الحكم بالتفرد في شيء ما يقتضي المفاضلة بين أولئك الذين تجمعهم صفات مشتركة كالدراسة والعمل مثلاً وبحيث يتفاوت أداؤهم وظروفهم في إطار تلك الصفات لكي تصبح المقارنة فيما بينهم سهلة، وبحسب هذا المفهوم نستطيع القول إن الطالب اليمني المبتعث للخارج يتفرد بصفات كثيرة تميزه عن باقي طلاب دول العالم، فإذا ما قارنا مستواه العلمي سنجده في الصدارة يحصد المراكزالأولى في أغلب الجامعات أينما حل، وأما إذا عرجنا على الجوانب الأخرى فسنجد أنه أكثرالطلاب تعرضاً لإهانات الجامعات التي يدرس بها حيث لا تتورع هذه الأخيرة عن طرده من داخل قاعات المحاضرات وحرمانه من دخول الإمتحانات في كثيرمن الأحيان ،والسبب في ذلك تأخر دفع الرسوم الدراسية من قبل الملحقيات، وإذا توغلنا أكثرفي تفاصيل حياته اليومية فسنجده أكثرالطلاب مديونية للآخرين بمافيهم زملاءه، فصاحب الشقة يطالبه بالإيجاربداية كل شهر وقد يصبرالبعض عليه لشهر أو شهرين، بينما لايعرف البعض الآخر إلا إستخدام الكرت الأحمر والذي قد يصاحبه إستدعاء الشرطة في أغلب الحالات ، وياليت أن الموضوع يقتصرعلى الشقة فقط ، فالمديونية تشمل أيضاً البقالة، المطعم، الجن والعفاريت، لأن المنحوس أقل طلاب العالم من حيث مبلغ المساعدة المالية الذي يتقاضاه إذ يؤهله بجدارة للدخول في موسوعة قينيس، فبحسب بعض التسريبات لمقربين من فريق إدارة الأرقام القياسية التابع لشركة قينيس فإن هنالك إحتمال كبير أن يحقق الطالب اليمني رقماً قياسياً كأفقرطالب على مستوى العالم نظراً لقدرته على تحمل العيش بمبلغ ضئيل لايسمن ولايغني من جوع في بلاد غربة لاترحم، ، وطبعاً عندما نقارن وضعه السيء بوضع باقي طلاب العالم فنحن نعني ذلك تماماً إذ لايُستثني من تلك المقارنة حتى طلاب أشد الدول فقراً، فالطالب الصومالي في ماليزيا - على سبيل المثال- يتقاضى ما يعادل منحة ثلاثة طلاب يمنيين، بينما يتقاضى السعودي والليبي مايعادل منحة عشرة طلاب مغضوب عليهم ، ومع كل ذلك فإن ما ورد أعلاه لايمثل إلا جزءاً بسيطاً من مسلسل المعاناة اليومي للطلاب المبتعثين ، ولأن الكثيرمن الزملاء والنشطاء والصحفيين قد أسهبوا في نقل الكثير من تفاصيل تلك المعاناة ، فسأتناول كيفية تعاطي الجهات (غير) المسئولة مع هذا الملف. لم يعد خافياً على أحد الإعتصامات شبه اليومية التي ينفذها الطلاب اليمنيين في مختلف الدول كماليزيا ، وألمانيا ،والجزائر، ومصر وغيرها ، وكأن مهمة الطالب الأساسية والتي تحمل عناء الغربة من أجلها هي التمرس على كيفية تنفيذ الإعتصامات والمطالبة بأبسط الحقوق بدلاً من الإهتمام بالمحاضرات والتركيز على البحوث ، وتترافق تلك الجهود الطلابية بحملات مساندة من الداخل يتبناها نشطاء وصحفيين يحاولون من خلالها إثارة إنتباه المعنيين والذين كما يبدو أنهم يغطون في سبات عميق لايختلف كثيراً عن فترة البيات الشتوي التي تنام خلالها بعض الحيوانات طوال فصل الشتاء. من يقول إن الحكومة غير قادرة على تحسين المستوى المعيشي للطلاب فليخبرنا أين تذهب إيرادات البترول والغاز؟ وأين تذهب المساعدات الدولية التي يضخها المانحون؟ ، ولماذا لايتم توجيه جزء بسيط من مخصصات المشائخ للطلاب كونهم أحق بها منهم، وإذا كانت الإشكالية في عدم ملائمة مسمى طالب لشروط الصرف من هذا البند فلا مانع لدينا أن تغيروا التسمية إلى طالب أبو عمامة أوالطالب الشيخ، المهم أن تعاملونا كما تعاملوا مصاصي الدماء، وأما إذا كانت حكومتنا بالفعل غير قادرة على توفيرمتطلبات الحد الأدنى لسد رمق عيش الطالب المبتعث وهذا ما لانصدقه ، فلماذا يتم إرساله من البداية للخارج؟ على الأقل البهذلة داخل البلاد أرحم من جرح كرامة اليمني أمام كل من هب ودب. طلاب اليمن اليوم وبالتنسيق فيما بينهم في مختلف الدول مصممين على التصعيد حتى يتم الإستجابة لمطالبهم المشروعة ، وهاهم الزملاء في ألمانيا قد تحركوا وترجموا تلك التهديات إلى واقع حيث سيطروا على مبنى الملحقية والسفارة في برلين وإذا ما استمر الوضع على هذه الشاكلة بدون تجاوب فستشرب باقي الملحقيات والسفارات من نفس الكأس، وإستباقاً منها ربما لتطورات الموقف فقد وزعت وزارة التعليم العالي بياناً صحفياً بالأمس أوضحت فيه تفهمها البالغ للأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها الطلاب في الخارج ، ولذا وحرصاً منها على حل مشاكل الطلاب فقد وجهت مذكرة لوزارة المالية بإعتماد زيادة شهرية تبلغ مائة دولار، وبالتالي رمت الكرة في ملعب وزارة المالية التي لم تعتمد المبلغ الضئيل حتى الآن وربما أنها ترفض ذلك تماماً، وتعليقا مناً على ذلك نقول أن المائة دولارالتي لاتزال في غياهب الأحلام غيركافية ولن تغيرمن المعاناة شئ وهذا في حالة تنفيذ هذه الوعود ، مع أننا نعلم علم اليقين أن وعودكم وعود عرقوب، ولذا كان من الأجدربكم أن ترفعوا سقف المبلغ إلى خمسة أضعاف كأقل تقديرلأن الموضوع برمته لايعدو عن كونه ضربة معلم الهدف منها إمتصاص غضب الطلاب المحتجين ، وبالتالي لن يكلفكم الأمرسوى بضع ثوان لتغييرأرقام المبلغ في المذكرة الصادرة للمالية ، وإذا كان ولابد من الكذب فلتكن الكذبة من العيار الثقيل. يبدو أن الشقاء والبؤس مكتوب على جبين الطالب اليمني إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالجهات المعنية تتلاعب بمشاكله المتراكمة كالكرة ، فوزارة التعليم العالي تخلي مسئوليتها برميها في ملعب المالية، والمالية بدورها تمررها لمجلس الوزراء ، والذي يركلها هوالآخر بعيداً خارج الملعب لتستقر فيما بعد بسلة المهملات. رابط المقال على الفيس بوك