قد تستغربون من هذا العنوان ولكنه فعلاً عنوان يعبر عن مضمون ما سأطرحه؛ فالقمع - بضم القاف - يعني القرطاس الملفوف الذي توضع بداخله الحنا الخاصة بالخضاب، ويتوفر خضاب الحنا في الأسواق وبسعر بسيط، كما أنه خضاب جاهز بمعنى أنه لا يحتاج لمخضبة، ويوفر مالاً، ووقتاً، وجهداً لمن تريد أن تتخضب. وحين قررت وزوجي الفنان عادل العامري أن نعقد قراننا في رأس السنة الماضية، طلب مني أن أتخضب، وكنت مترددة لأني لا أحب أن ألطخ يدي به، ولكن نزولاً عند رغبته قررت أن أتخضب. ولم يكن الوقت متاحاً للخضاب البلدي الذي تعده المخضبة، وتنقش اليدين بتأنٍ، ويحتاج لوقت طويل، فاضطررت لشراء قمع الحنا مع اللصق، ولم تستغرق عملية الخضاب السفري أكثر من ربع ساعة. فرحت كثيراً لأنني سأحقق رغبة زوجي الحبيب، وشعرت بعدها بحكة فوق الخضاب، وبدأت يدي تحمر، أخذت مضاداً للحساسية، ومر اليوم بسلام، وبعد العقد بيومين بدأ الخضاب يزول وتقشر الجلد وكأنه برص. وحين سألت عن السبب قيل لي: إن القمع يبدو مكسوباً في المحل، ولذلك حدث لك هذا التحسّس والتشوّه في جلد اليد، قلت في نفسي: أي قمع هذا الذي يشوّه بدلاً من أن يجمل؟. وعادت بي الذاكرة إلى زمن مضى حين كانت المخضبة تصنع لنا خضاب الحنا طازجاً، ومن مواد نعرفها، وكانت تتفنن في تنقيشنا، وكنا نستمتع بها، يا لها من كارثة حقيقية حين تتعولم حتى نقش الحنا. فكم من حرفة نسائية كحرفة نقش الحنا ستنقرض بسبب القمع بضم القاف، والذي يؤدي بدوره إلى قمعنا بفتح القاف، وخاصة النساء المخضبات. ولذلك فإنني أدعو كل مخضبة إلى التواصل مع بعضهن البعض بغرض توحيد جهودهن في نقابة تحمي مهنتهن من الانقراض، ويدافعن عن حقوقهن كمخضبات في مواجهة سيل العولمة الجارف. ولنقف مع المخضبات الشعبيات اللواتي يحافظن على تراثنا الجميل من الانقراض، ولنبحث عن المخضبات الأصيلات اللواتي يتقن تماماً مهنة التخضيب على أصولها؛ كي يقمن بتدريب كوادر جديدة من الشابات الهاويات لهذه المهنة. ومع تزايد عدد من يمتهنّ هذه المهنة الفنية الرائعة يمكن بعد ذلك إيجاد مراكز تدريب متخصصة في مجال التخضيب، يتم فيها تعليم وتدريب الشابات الجدد على مهنة التخضيب، بحيث تصبح هذه المهنة معترفاً بها من قبل الجهات المعنية في الدولة شأنها شأن مهنة الكوافير. ومن هنا تبدأ عملية التنظيم للمهنة كمهنة معترف بها، وتمارسها النسوة المؤهلات ونوات الخبرة، وبذلك نتخلص من حكاية القمع بضم القاف.. وإلا فما رأيكم؟. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك