الضمير هو ذلك المكون الغير مادي الذى من خلاله تحيا حياة المرء بمبادئها وأصولها أو تموت أكلنيكياً إنتظاراً لموت الجسد حتى تُدفن معه غير مأسوفاً عليها. والمُشاهد لمختلف المناحي التي يعج بها المشهد العام يتأكد من أن هناك أزمة ضمير - بل ضمائر - خربت وفسدت بفعل فاعل مع وجود إستعداد سابق لهذا الخراب والفساد والعفن أدى إلى الإنجراف السريع والمتلاحق بدون كبح جماح أو فرامل مساعدة على تقليل هذا الإنجراف وتلك الإنحرافات. وحينما يموت الضمير، تموت معهُ الكثير من الأشياء وتصبح بلا لون أو معنى ومُباحةٍ ، ويصبح معها الإنسان مُجرد هيكل جامد ، فارغ ، صداهُ في داخلهِ فقط! موت الضمير مُشكلةٌ ، يُعاني منها من تطالهُ خيوط الأفكار المسمومة الممزوجة بازدواجية السلوك ، ويصبح مُشكلة أكبر حينما يتعارض مع قيم الحياة والأخلاق والإنسانية بشكل لافت للنظر. وللتوضيح بشكل أكبر يمكن عرض الضمير على بعض النماذج فى مختلف الجوانب فى حياتنا اليومية: ففي الجانب السياسي وهو الجانب المهيمن والمسيطر على مختلف الجوانب الحياتية , وصلاحه أو فساده يكون دافعاً كبيراً لصلاح أو فساد كل هذه الجوانب معاً، فإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. يجد المتأمل والمتابع للحالة السياسية اليمنية أن الضمير السياسي قد أصابه العطب والعفن لدرجة أن الكذب والنفاق والتحول والخبث والخداع وغيرها من قواميس السوء باتت هي الأخلاق الأساسية والمبادئ الأصيلة التى تتسم بها العديد من رموز السياسة وطوائفها المتعددة، فليس من الأخلاق أن يتم الكذب على ابناء هذا الوطن من مختلف القوى السياسية وعبر مختلف اجهزتها الإعلامية بأنها جميعاً حريصة على مصلحة الوطن وتسعى جاهدة لبناء وتجسيد الدولة اليمنية الحديثة , وأفعالها وتصرفاتها على أرض الواقع تثبت غير ذلك فهي حريصة فقط على مصالحها , وفي كل يوم نلمس في واقعنا المعاش نتاج المهاترات والمكايدات وأزمة الثقة فيما بينها من خلال الأحداث المتنوعة والاختلالات الأمنية وتردي الاوضاع الحياتية والمعيشية التي تشهدها الساحة اليمنية اليوم. وليس من الأصول السياسية السامية أن تتنصل القوى السياسية من وعودها بتنفيذ ما اتفقت عليه ضمن المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية للخروج بالوطن الى بر الأمان والجلوس على طاولة الحوار لمعالجة كافة المشاكل والقضايا التي يعاني منها الوطن بروح المسؤولية الوطنية , الحريصة على وحدة الوطن وأمنه واستقراره . ويمكن القول إنه فى مثل هذه الحالة السياسية المضطربة يلعب الضمير المذبوح - تحت أرجل الطامعين والمأجورين من همل البشر - الدور الرئيسى فى ضياع القيم والأسس فى المنافسات السياسية وتحويلها إلى صراعات سياسية ميكافيلية يستخدم فيها جميع الوسائل والأساليب التى غالباً ما تخرج عن الصراط المستقيم والنهج القويم نتيجة ضياع الضمير ونومه فى قبر السياسة البائسة والحقيرة. وفى الجانب الإعلامى : أصبح الإعلام اليوم يستخدم من مختلف القوى السياسية وكأنه مأجور يفعل كل ما يطلب منه بعد الدفع له بما يكفي لتغيير الضمير أو تغيبه أو حفظه فى التجميد لحين أداء عمليات الهدم والتدمير والتشويه لمؤسسات الأمة ومخلصيها الأبرار، إن حالة الإنعاش التي يحياها الإعلام فى العناية المركزة التي يمتلكها أرباب المال الفاسد وأصحاب الغايات الوضيعة جعلت قلب الحقائق هي السمة الرئيسية للإعلام الخاص الذي بني على باطل فسار على درب الباطل لينسجم مع حالته التأسيسية الباطلة. فهل يمتلك ضمير حي من يقوم بقطع المشاهد ولصقها بشكل يقلب المعنى ويغيره لخدمة هدف معين وخبيث , وهل من الضمير المتوقد أن يتهم بعض الشرفاء في هذا الوطن بأنهم معاول هدم للوطن وأنهم مضللي الأمة وشعبها، وهل من الضمير المتفتق أن تدلس الحقائق على الجماهير فى برامج حوارية تلعب فيها بعض الشخصيات دور الشرير الذى يفسد ولا يصلح ويخرب ولا يعمر من أجل الوصول إلى مآرب دنيئة لزعزعة أمن واستقرار الوطن . وهل من الضمير الواعي أن يتم انتقاء بعض الأخبار والأحداث وتحليليها بما يتناسب مع اهداف ومصالح سياسية او حزبية بعينها بعيداً عن الحقيقة دون احترام لعقلية المشاهد او المستمع , ودون مراعاة للظروف الصعبة التي يعيشها الموطن الغلبان في هذه الايام جراء الازمات السياسية المتتالية ونتائجها السيئة التي اثرت على مختلف الجوانب الحياتية والمعيشية لأبناء هذا الوطن . وفى الجانب الأمني: حدث ولا حرج , فالأمن هو صمام التقدم والإزدهار لأي بلد , وهو مفتاح الجذب للسياحة والإستثمارات , وهو باب الاطمئنان الوحيد للوطن والمواطن على وجود دولة يمكن العيش فيها والإستمتاع بمقوماتها وثرواتها، لقد أصبح الأمن في بلادنا اليوم ضعيفاً وهشاً في معظم المدن والمحافظات وأصبح المواطن في قلق وخوف متواصل جراء ما يسمعه ويشاهده ويلمسه هنا وهناك من حوادث اغتيالات وتقطعات ونهب واختلالات أمنية متنوعة، ولا يمكن أن يكون حال الأمن هكذا إلا من خلال ضمير ضعيف يُغلب الصالح الشخصي على الصالح العام والمنفعة الذاتية على المنفعة المجتمعية، وهذا يظهر من خلال انتشار المظاهر المسلحة بشكل كبير في العديد من المدن والأحياء والشوارع التى تعج بالبلطجة والمسلحين والانتهاكات والمخالفات دون أن يكون هناك حامي للأمن أو صائن لحمى الوطن. والحقيقة أن باقي جوانب الحياة لا تختلف كثيراً عما سبق وذكرته , ولكن يبقى الهدف والغاية والمأمول لعبور هذا الحلقة الخانقة والخطيرة أن يستيقظ الضمير اليمني لدى الجميع وخصوصا الاطراف المتجهة الى مؤتمر الحوار الوطني , ويدركوا بحجم التحديات والمخاطر التي يمر بها الوطن . وختاماً يمكن القول إن الضمير اليوم لدى الكثيرين منا مع الأسف بات عملة نادرة وبات الإنسان مُجرد خادم لرغباتهِ ، والمصالح أصحبت هي الغالبة والمُسيطرة ، والاستغلال والنفاق بات شعار الكثيرين للوصول إلى مآربهم! أصبحت الازدواجية في الأقوال والأفعال جزءاً لا يتجزأ من حياة الكثيرين! , ولذلك نحن بحاجة الى ثورة لإحياء الضمير لدى الكثير منا فى واقعنا اليوم , لأن الضمير هو النبض الصاحى والحي الذي من غيره تموت الشعوب والأوطان وتنتهي الأمم والحضارات وتزول القيم والمبادئ. لذا وجب على كل يمني يعيش فى بلده وعلى ترابها , وينعم بخيرها أن يتقي الله فى هذا الوطن ويعمل على حياة ضميره حتى يحيا الوطن ويعلو فوق كل الهامات والرؤوس والمصالح والمنافع وإلا ستغرق السفينة وتهوى فى القاع دون أن ينجو منها أو يفوز بها إلا أعداء الوطن والمواطن. رابط المقال على الفيس بوك