ندوة تؤكد على دور علماء اليمن في تحصين المجتمع من التجريف الطائفي الحوثي    هيئة النقل البري تتخبط: قرار جديد بإعادة مسار باصات النقل الجماعي بعد أيام من تغييره إلى الطريق الساحلي    الإعلان عن القائمة النهائية لمنتخب الناشئين استعدادا للتصفيات الآسيوية    لقاءان لقبائل الغيل والعنان في الجوف وفاءً للشهداء وإعلانًا للجاهزية    الأمم المتحدة: اليمن من بين ست دول مهددة بتفاقم انعدام الأمن الغذائي    الحديدة.. المؤتمر العلمي الأول للشباب يؤكد على ترجمة مخرجاته إلى برامج عملية    لابورتا يُقفِل الباب أمام عودة ميسي إلى برشلونة    شبوة تودّع صوتها الرياضي.. فعالية تأبينية للفقيد فائز عوض المحروق    فعاليات وإذاعات مدرسية وزيارة معارض ورياض الشهداء في عمران    بكين تتهم واشنطن: "اختراق على مستوى دولة" وسرقة 13 مليار دولار من البيتكوين    مناقشة جوانب ترميم وتأهيل قلعة القاهرة وحصن نعمان بحجة    شليل يحرز لقب فردي الرمح في انطلاق بطولة 30 نوفمبر لالتقاط الأوتاد بصنعاء    افتتاح مركز الصادرات الزراعية بمديرية تريم بتمويل من الاتحاد الأوروبي    قراءة تحليلية لنص "اسحقوا مخاوفكم" ل"أحمد سيف حاشد"    القرود تتوحش في البيضاء وتفترس أكثر من مائة رأس من الأغنام    من المرشح لخلافة محمد صلاح في ليفربول؟    مفتاح: مسيرة التغيير التي يتطلع اليها شعبنا ماضية للامام    منتسبوا وزارة الكهرباء والمياه تبارك الإنجاز الأمني في ضبط خلية التجسس    تألق عدني في جدة.. لاعبو نادي التنس العدني يواصلون النجاح في البطولة الآسيوية    المنتصر يدعوا لإعادة ترتيب بيت الإعلام الرياضي بعدن قبل موعد الانتخابات المرتقبة    دربحة وفواز إلى النهائي الكبير بعد منافسات حماسية في كأس دوري الملوك – الشرق الأوسط    عالميا..ارتفاع أسعار الذهب مدعوما بتراجع الدولار    جنود في أبين يقطعون الطريق الدولي احتجاجًا على انقطاع المرتبات"    إيفانكا ترامب في أحضان الجولاني    الإخوان والقاعدة يهاجمان الإمارات لأنها تمثل نموذج الدولة الحديثة والعقلانية    حضرموت.. تُسرق في وضح النهار باسم "اليمن"!    خبير في الطقس: برد شتاء هذا العام لن يكون كله صقيع.. وأمطار متوقعة على نطاق محدود من البلاد    عين الوطن الساهرة (2)..الوعي.. الشريك الصامت في خندق الأمن    زيارة ومناورة ومبادرة مؤامرات سعودية جديدة على اليمن    احتجاج على تهميش الثقافة: كيف تُقوِّض "أيديولوجيا النجاة العاجلة" بناء المجتمعات المرنة في الوطن العربي    اليوم انطلاق بطولة الشركات تحت شعار "شهداء على طريق القدس"    وزير الإعلام الإرياني متهم بتهريب مخطوطات عبرية نادرة    30 نوفمبر...ثمن لا ينتهي!    أبين.. الأمن يتهاوى بين فوهات البنادق وصراع الجبايات وصمت السلطات    عسل شبوة يغزو معارض الصين التجارية في شنغهاي    تمرد إخواني في مأرب يضع مجلس القيادة أمام امتحان مصيري    الواقع الثقافي اليمني في ظل حالة "اللاسلم واللاحرب"    كلمة الحق هي المغامرة الأكثر خطورة    تغاريد حرة .. انكشاف يكبر واحتقان يتوسع قبل ان يتحول إلى غضب    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    قاضٍ يوجه رسالة مفتوحة للحوثي مطالباً بالإفراج عن المخفيين قسرياً في صنعاء    قرار جديد في تعز لضبط رسوم المدارس الأهلية وإعفاء أبناء الشهداء والجرحى من الدفع    مشاريع نوعية تنهض بشبكة الطرق في أمانة العاصمة    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    النفط يتجاوز 65 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 3 نوفمبر    انتقالي الطلح يقدم كمية من الكتب المدرسية لإدارة مكتب التربية والتعليم بالمديرية    مواطنون يعثرون على جثة مواطن قتيلا في إب بظروف غامضة    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعز.. المحافظة المنكوبة
نشر في الجمهورية يوم 24 - 08 - 2013

تعز أقدم مدينة احتفظت بها ذاكرتي، وتحديداً حارة الضبوعة، معقل الإخوان المسلمين الذين كانوا يلاحقوننا أثناء كل صلاة ونحن مازلنا أطفالاً لم نبلغ الحلم, كنا نتلقّى الضرب حينما تُنصب لنا الكمائن من قبل هؤلاء الذين يحرموننا من لعب الكرة, وفي المقابل كنا نرى الشباب المنفتح على الموضة القادم من كثير من المحافظات بما فيها العاصمة صنعاء، كنا نحلم أن نكبر غداً فنلبس كما يلبسون، كانت تعز تقاوم الروح الإخوانية وتزرع في أبنائها والقادمين إليها معنى الإنسانية ومعنى الوحدة, لقد كانت أرض الثقافة والحداثة, كنّا نجد الكتب القومية واليسارية والدينية جنباً إلى جنب، وكان المثقفون يهبطون على تعز كما تهبط الشمس ساعة شروقها؛ يتأثرون ويؤثرون، ثم يرحلون عنها كما ترحل الشمس ساعة غروبها, كان اليسار يتسابق على استقطاب أبناء تعز وخاصة الشباب ويغذيهم بالأفكار الناصرية والبعثية والماركسية ويزرع فيهم طموح المستقبل وأحلام الوحدة العربية والأممية الإنسانية؛ بينما كان الإخوان ينشدون الوحدة الإسلامية، كثير من هؤلاء الشباب كانوا مبهورين بل مدهوشين دهشة الاكتشاف الأول لهذه الأفكار التي ربما تشبه دهشة الإنسان القديم وهو يكتشف آلهته من الطواطم والكواكب والمخلوقات الأخرى.
أما مستشفى الثورة العام فقد كان ملتقى الطلاب الفارين من مدارسهم ليكتشفوا معنى الجمال الأنثوي وجمال الطبيعة الخلابة المحيطة بالمستشفى وكأنه حديقة غنّاء تملأه الأزهار الملوّنة، كانت ممراته الخارجية من السراميك الأبيض وعلى جوانبه الأزهار، ترى الحركة تسري وكأنك في منتجع سياحي، كانت الصبايا يلبسن الجيبة والجاكت، ولم تكن الثقافة الإخوانية الممزوجة بالسلفية الوهابية قد سيطرت بعد، أهم ما في تعز ناسها المقيمون فيها الذين يجمعون داخلهم الزمان المنقضي والمكان المقيم.
يتوافد الشباب عصراً إلى شارع 26 سبتمبر، البعض يحتسي الشاي في قهوة الصبري مكتفياً بالاستمتاع بالجمال المتحرك خلال الشارع، والبعض الآخر يرافق الفتيات حتى آخر الشارع، كان عمال النظافة يكنسون شوارع تعز، ويزيلون عنها الأوساخ؛ فتعز لابد أن تكون نظيفة، كانت المدينة تعمل بلا توقف، يخرج سائقو النقل الصغيرة مع أذان الفجر يتناولون القهوة بالحليب، ثم ينقلون العمّال إلى أماكن عملهم؛ تتهيأ المقاهي لاستقبال الزبائن منذ الصباح الباكر، تسري الحركة بهدوء، يتبادل الناس الابتسامات، وكل شيء يجب أن يكون بعيداً عن الحدّة أو نوازع الكراهية، تُعقد الصفقات في هذه المقاهي بين كثير من المقاولين وأصحاب الأعمال الصغار الذين لا توجد لديهم مكاتب، يلتقون في الصباح الباكر لتوزيع الأعمال وعند المساء يراجعون ما تم الاتفاق حوله، كان المقهى يمثل محطة تتوسط بين البيت ومقر العمل، غالبية العمال يخرجون مع الصباح الباكر وهم يجهلون ما إذا كانوا سيحصلون على عمل أم لا، في هذه المقاهي يجلس المثقفون ولاعبو كرة القدم الذين ينتمون إلى أقوى ناديين في تلك المرحلة «أهلي تعز والطليعة» ولا تخلو هذه المقاهي من نشاط التنظيمات اليسارية؛ بينما كان نشاط الإخوان في المساجد.
اليوم تعز تئن وتتوجّع، وتحديداً منذ بداية الفوضى التي ضربت هذه المدينة والتي فرّخت مليشيات مسلّحة تجوب شوارع المدينة؛ بعضها بالزي المدني والبعض الآخر أضفيت عليها شرعية الزي العسكري.
كانت تعز تتزين بالصبريات المزّينات بالمشاقر من بائعات البلس والرمان والقات، أما اليوم فتعز تتزّين بالمسلحين، وأصبح نهارها يشبه ليلها الحالك، حيث ظلمة الحارات وغرابة الوجوه والرغبة الجامحة بالعنف والعنف فقط، أصبحت تعز منكوبة مائياً وبيئياً واجتماعياً وسياسياً، فحسب تقارير حكومية ومدنية هناك شحة في المياه وأغلبها ملوثة، كما أن نسبة تعاطي المخدرات ارتفعت بنسبة عالية جداً في هذه المدينة، وكذا الجريمة ونهب الأراضي والسطو عليها والبناء العشوائي، وهناك شريحة كبيرة من الشباب المراهقين يجدون أنفسهم ضحايا المخدرات والجريمة، أصبحت عاصمة الثقافة تحت وطأة الضبح وتراكم الجريمة، أضحت ملاذاً آمناً لأصحاب الدرّاجات النارية التي أصبحت مصدراً من مصادر التلوث السمعي والبيئي؛ تعز اليوم تشكو غياب القانون، وأصبحت تعيش زمن المليشيات وغياب تام للدولة، ولست بحاجة إلى القول إن أبناء تعز خاطروا بأرواحهم في مختلف الساحات مطالبين بالعدل، لكن آمالهم اليوم أضحت مهدّدة من قبل العصابات والمليشيات المسلّحة الخارجة عن القانون؛ والعجيب في الأمر أن أجهزة الأمن لم تقدّم أحداً حتى هذه اللحظة إلى العدالة، ولم يتم التحقيق في كثير من حالات العنف.. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل توجد خطة لدى الأخ محافظ المحافظة لإنقاذها وإعادتها إلى دائرة المدنية..؟!.
رابط المقال على الفيس بوك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.