كثير من المتابعين يتفهمون سياسة ضبط النفس التي التزمتها قيادتنا السياسية في هذه المرحلة حيال الخروقات والاستفزازات التي تُعرِّض أمن المواطن للخطر أو تهدد مصالحه .. وأنا على يقين بأن جهازنا الأمني والعسكري ترفع عن السقوط في وحل المواجهة مع أطراف كانت ولا تزال تريد إقحام الشعب وقيادته في صراع ذاتي يأكل فيه الوطن أبناءه, لاسيما تلك الأطراف التي جندت نفسها طيلة عامين ونيف لضرب أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط, ولا شك أن الدولة بهذا الصبر ضحت بالكثير من هيبتها في سبيل تطبيع الحياة وإخراج الوطن من هذه المرحلة الانتقالية بسلام. لكن لا محالة من التفريق بين الترفع وضبط النفس من جهة وبين الضعف والقصور من جهة أخرى, وأنا أقصد بذلك أن أداء بعض المرافق الأمنية حتى اليوم لا يزال أكثر ميلاً إلى التقاعس وغض الطرف إلى حد غير مقبول, وثمة أحداث تفتح الباب واسعًا أمام جملة من المخاوف جراء استفحال ظاهرة الاقتتال أو التقطع في بعض الأماكن. ماذا يعني أن تقوم عصابات وقطاع طرق بقطع طريق الحديدة – تعز والتعرض للمسافرين ونهب ممتلكاتهم تحت تهديد السلاح, في أماكن على مقربة من نقاط أمنية؟ ماذا يعني أن يقوم أحد المشائخ بسرقات متكررة للسيارات في العاصمة صنعاء ويخرج بها إلى محافظته على مرأى ومسمع الجميع, وإذا بحث مالكوها عنها وجاءوا إليه طلب منهم ما بين 15 إلى 20 ألف ريال سعودي مقابل إعادة السيارة الواحدة إلى مالكها (الظاهر أن الرجل ليس لديه وقت لعد النقود بالعملة اليمنية, فهو يؤمن بأهمية الوقت!!), ففي أيام عيد الفطر المنصرم سرقت سيارتان لشخصين أعرفهما حق المعرفة في أسبوع واحد بصنعاء, ولا أنسى أيضًا سيارة أحد جيراننا في تعز التي سرقت من أمام متجره في تعز بعد صلاة الفجر, وإذا كانت هذا الجرائم الثلاث لأشخاص أعرفهم, فكم هي التي لا أعرف عنها شيئًا؟ لا أشك في أنها حالات سرقة بالمئات .. والقضية إذن في غاية الخطورة؛ لأن استمرارها سيسقط الوطن في يد عصابات النهب والسلب والبلطجة, وبعدها فلن يأمن الرجل على نفسه إذا خرج إلى السوق وفي جيبه ألف ريال فقط, ناهيك عمن يريد أن يتنقل بماله وممتلكاته. ثم ماذا يعني أن تقوم عصابة مسلحة منذ أكثر من نصف شهر باختطاف باص مؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة والنشر على طريق تعز – عدن, وتحديدًا في منطقة تقع بين معسكري لبوزة والعند في لحج, وتبعد عن نقطة عسكرية بحوالي 100 متر فقط؟. وماذا يعني أن تنشب مواجهات مسلحة في عمران على مقربة من إحدى إدارات الأمن, ولم يحرك أحد ساكنًا – كما جاء في الخبر قبل بضعة أيام؟ وماذا يعني أن تقوم عصابة تقطع على طريق ذمار – رداع بنهب المسافرين وإصابتهم بطلقات نارية في موقع لا يبعد كثيرًا عن إحدى النقاط الأمنية؟ إنني أعرف أن اللواء الدكتور عبد القادر قحطان شخصية أمنية أكاديمية مجربة ومدربة وذات حنكة مشهود لها, وأعرف أن اللواء محمد ناصر أحمد وزير الدفاع شخصية عسكرية ذكية ومحنكة ودورها في هذه المرحلة العصيبة أكثر نضجًا ورصانة, لكن يبدو اليوم أن التراخي عن فرض هيبة الجهاز الأمني يتجاوز حده, وهو ما سيجعلنا ندفع الثمن باهظًا من أمن المجتمع وسلامته سنينًا عديدة. لابد من تفعيل أداء الوحدات المسؤولة عن أمن المواطن وسلامته, لاسيما في الطرقات الرابطة بين المدن.. وأنتم تعلمون أن مرحلة ما بعد الحوار الوطني ستكون أكثر حساسية, ولن ينفع معها هذا الموات الأمني الذي يعصف بمدننا وأريافنا كل يوم, فهناك من لا يسره أن تستقر اليمن, ويحرص على إغراقه في دوامة القتل والنهب والترويع والانفلات الأمني, وهذا العدو ربما يفقد صوابه إذا خرج اليمنيون من مؤتمر الحوار بصيغة توافقية ناجحة وتحقق رضا الأغلبية الساحقة, فلهذا ينبغي أن تبدأ أجهزتنا الأمنية باليقظة الأمنية العالية وتقوم بمسؤوليتها على أكمل وجه وتحرص على معالجة ما يشوب أداءها من اختلالات, فأنت لا تستطيع النجاح إلا إذا أعددت نفسك لذلك وتغلبت على العوائق الذاتية التي تضعفك وتحد من قدرتك على تحقيق الأهداف .. ودمتم ودام الوطن آمنًا مستقراً [email protected] رابط المقال على الفيس بوك