من الآثار السلبية التي أفرزتها الأزمة السياسية حالة الإنفلات الأمني غير المسبوقة، وضياع هيبة الدولة مما شجع الكثيرين من المواطنين على تجاوز الخطوط الحمراء والصفراء وكل ألوان الطيف، حيث عمدوا إلى تجاوز الأنظمة والقوانين، وتعكير صفو الأمن والاستقرار، والقيام بممارسات تخريبية، ومن ذلك نصب القطاعات القبلية المسلحة على امتداد الطرقات العامة وزرع الخوف والرعب في أوساط المسافرين وأصحاب السيارات والمركبات. فكل جماعة لديها مشكلة مع جماعة أخرى تلجأ إلى التقطع في إطار المديريات أو المحافظات في صور تعكس حالة الانقلاب والفوضى التي وصلت إليها الأوضاع الأمنية في البلاد، هذه القبيلة تتقطع للقبيلة الأخرى بسبب خلاف حول مبالغ مالية أو خلاف حول قطعة أرض، وهذه القبيلة تتقطع للناقلات والمركبات الحكومية من أجل الضغط على السلطات الرسمية لإطلاق سجناء ينتمون إليها يقبعون في السجون على ذمة قضايا جنائية أو أعمال تخريبية وإرهابية أو على ذمة قضايا مدنية منظورة أمام المحاكم، ومن يشاهد القطاعات التي تشهدها اليمن اليوم يشعر بحجم الكارثة والمأساة التي وصلت البلاد إليها. بالله عليكم ماذا بعد أن يسافر المسافر وهو غير آمن على نفسه وعرضه وماله، نقاط قبلية مسلحة تتقطع هنا ونقاط تنهب وتتقطع هناك والمواطن المسكين يدفع الثمن، ماذا تبقى من هيبة الدولة عندما لا تستطيع الأجهزة الأمنية ردع عناصر تخريبية تقوم بالاعتداء على خطوط نقل الكهرباء رغم أنها على معرفة تامة بهويات المخربين فرداً فرداً، ماذا تبقّى من هيبة للدولة عندما يتم التقطع لوزير الدولة شائف عزي صغير على طريق المحويت ولا تحرك السلطات أي ساكن، ماذا تبقى من هيبة للدولة عندما يتم اعتراض حافلة فريق نجم سبأ ذمار وهي في طريقها إلى الشحر لخوض مباراة في كرة القدم مع شعب حضرموت ضمن دوري الدرجة الأولى من أجل الضغط على السلطات الأمنية لإطلاق سراح خمسة سجناء من أبناء مأرب؟!. ماذا تبقى من هيبة للدولة عندما يتم نهب (ونش المرور في آنس للمطالبة بالديزل) وعندما يتم نهب قلاب القمامة على يد لصوص في وقت تقف السلطات المختصة عاجزة عن استعادة القلاب تحت شماعة (الأوضاع ما تسمحش) ماذا تبقى من هيبة الدولة عندما يعتدي نافذ على محكمة ويغلقها ويطرد من فيها؛ وبعد أن يتم الاعتداء على موظف دولة داخل مقر عمله ولا يتعرض المعتدون لأي نوع من المساءلة أو حتى اللوم والعتاب، ماذا تبقى من هيبة للدولة عندما يتم الاعتداء على رجل المرور في الجولة والعسكري في النقطة ويتم تصفية القيادات الأمنية على يد مجهولين دون أن يتم إلقاء القبض عليهم؟!. ماذا تبقى من هيبة الدولة بعد أن أثبت التجار (الفجار) أنهم فوق سلطة النظام والقانون فراحوا يعذبون هذا الشعب الطيب والصبور بافتعال الأزمات واحتكار السلع والمنتجات الاستهلاكية الأساسية والتلاعب بأسعارها دونما حسيب أو رقيب، بالله عليكم أين هيبة الدولة عندما يغيب الأمن عن السجون، ويلوذ السجناء بالفرار المرة تلو الأخرى وكأن المسألة فوضى في فوضى؟!. أين هيبة الدولة عندما يتحول الشيخ إلى فرعون يحكم ويحبس ويقتل ويشرد ويبسط على الممتلكات ويخترق الأنظمة والقوانين ويحكم بنظامه وقوانينه الخاصة ويحول الناس إلى عبيد يسهرون على راحته ورفاهيته دون أن يقول له جنس بشر: (عيب) احترم نفسك أو أن يطاله سيف النظام والقانون ليردعه عن ممارساته الاستبدادية والإجرامية؟!. أين هيبة الدولة عندما يتحول البعض إلى دولة داخل الدولة يمتلكون السلاح الثقيل ويسرحون ويمرحون بالأسلحة على مرأى ومسمع الجميع داخل العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات والمدن الثانوية، أين هيبة الدولة عندما لا تستطيع الأجهزة الأمنية حماية أرضية مواطن مسكين بسط عليها نافذ من الوزن الثقيل أو أحد أقربائه أو أصهاره المقربين ويتم البناء عليها بالقوة دون أن يجد من ينتصر لمظلوميته ويُعيد إليه حقه؟!. أين هيبة الدولة عندما تشتعل الحروب الأهلية الناجمة عن قضايا ثأر أو خلافات طائفية أو مذهبية دون أن تكون هناك تحركات جادة لوقف هذه الحروب وإخضاع أطرافها إلى سلطة النظام والقانون، أين هيبة الدولة عندما يجد الطالب اليمني المبتعث للدراسة في الخارج أو المواطن المسافر للعلاج أو المغترب أن عملته الوطنية غير قابلة للصرف، وأن سعر صرفها أمام العملات الخاصة بدول أقل منا فقراً وأكثر منا تأزماً يبعث على الخجل والاستحياء، أين هيبة الدولة عندما يتحول المال إلى فيد يتقاسمه (زعطان وفلتان) على مرأى ومسمع ومباركة الجميع دون أن يجرؤ أي شخص أو أي جهة على اعتراض ذلك ولو بالكلمة خشية بطشهم وتنكيلهم وكأن سلطتهم ونفوذهم أقوى من سلطة ونفوذ الدولة؟!. إننا نعيش حياة وأوضاعاً لا يحسدنا عليها أحد على (ظهر الكرة الأرضية) ولا أبالغ في ذلك ولكننا كما صبرنا طيلة العام المنصرم؛ فإننا قادرون على أن نصبر أكثر ولكن الجانب الأمني وفرض هيبة الدولة وإعمال سلطة النظام والقانون مطالب يجب معالجتها وخصوصاً بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني. وأستطيع التأكيد على أن فرض هيبة الدولة وتطبيق النظام والقانون على الجميع والتعامل بحزم مع الخارجين عن النظام والقانون سيضمن لنا تجاوز الكثير من المنغصات المعيشية وفي مقدمتها إنهاء أزمة المشتقات النفطية وحل مشكلة الكهرباء وخدمات المياه وترسيخ الأمن والاستقرار ووضع حد للأعمال التخريبية والاعتداءات التي تطال المنشآت الحيوية، وسيسهم كل ذلك في تهيئة الأجواء أمام حكومة الوفاق لإنجاز المهام المسندة إليها والمنتظرة منها خلال المرحلة الانتقالية. وصدقوني لن يجرؤ أي شيخ أو نافذ أو متسلط أو مواطن على أن يحمل السلاح أو يقطع الطريق أو يعتدي على أبراج وخطوط الكهرباء أو يتقطع لناقلات النفط والغاز أو يختطف أجانب أو يقتل مواطناً أو مسئولاً عندما يدرك أنه سيخضع للعقاب الرادع بموجب النظام والقانون، ولا يمكن المهادنة أو المساومة حول ذلك وسيكون عبرة لغيره، ولا مجال هنا للمفاضلة أو التمييز والتجاوز. صدقوني لو تعاملنا بهذا الحزم لن نجد في أوساطنا أصحاب (العنتريات) و(الشوارب المفتولة) المستخدمة للبطش والتنكيل، وستختفي بلا رجعة مسميات (هذا قمع) (هذا مدبر) (هذا رأس) (هذا بلطجي) (هذا مركوز عرقوب) (هذا سمخ) سيتساقط هؤلاء كالذباب، وسرعان ما يتخلون عن هذه الممارسات التي تدل على الضعف لا القوة والشجاعة والبطولة كما يتصورون ذلك عندما يكون هناك حضور لهيبة الدولة، الدولة القوية، دولة المواطنة المتساوية والعدالة، دولة النظام والقانون التي يخضع لها (الكبير والصغير). يجب على حكومة الوفاق أن تحرص على فرض هيبة الدولة على كافة الأراضي اليمنية؛ لأن ذلك سيساعدها على تنفيذ وإنجاز بقية المهام والمسئوليات، لا نريد أن تكرر سيناريوهات الحكومات السابقة في تعاملها مع المخربين وقطاع الطرق، لا نريد الجلوس معهم على طاولة الحوار ولا الدخول معهم في مفاوضات، نريد ردعهم بالقوة من أجل أن (يصلّوا على النبي ويدقوا رؤوسهم ويجمعوا احساسهم) ويعودوا إلى جادة الحق والصواب، نريد تطبيق شرع الله في حق قطّاع الطرق، وصدقوني لن يجرؤ أي شخص على أن يعترض طريق نملة. نحن شعب طيب ولكننا كما يقول والدي أطال في عمه: (حق صميل) ونحن مع (صميل) القانون، لقد ضقنا ذرعاً من التساهل والتهاون في حق هؤلاء، وكما يقال للصبر حدود، ولم نعد نمتلك القدرة على الصبر، وعلى حكومة الوفاق أن تعي ذلك جيداً وخصوصاً أنها في مهمتها الوطنية تؤسس المرتكزات الأساسية للدولة المدنية الحديثة المنشودة، يجب ردع كل عناصر الهدم والتخريب وفرض هيبة الدولة عليهم بالقوة إن تطلّب الأمر ذلك. يجب أن تتكاتف وتتضافر الجهود من أجل عودة الكهرباء والمياه وعودة الأمن والاستقرار وإنهاء كافة المظاهر المسلحة وإعادة إعمار ما هدّمته آلة الحرب والدمار في مختلف المناطق، والاعتناء بأسر الشهداء من المدنيين والعسكريين، وإنعاش الاقتصاد الوطني، والعمل ما أمكن على تحسين أوضاع المواطنين المعيشية، ومعالجة كافة الآثار الناجمة عن الأزمة السياسية التي يشهدها الوطن، والأهم هو فرض هيبة الدولة. لا نريد أن يجعل البعض من الفترة الانتقالية فرصة للانتقام ووضع العقبات والعراقيل أمام جهود التسوية الوطنية التي تقوم بها حكومة الوفاق الوطني، سياسة التآمر على بعضنا البعض سياسة فاشلة لا رابح معها على الإطلاق، ولذا فلا حاجة لنا فيها، ومن يفكر أنه قادر على تحقيق مصالحه وأهدافه سواء كانت شخصية أم سياسية من خلال عرقلة عمل حكومة الوفاق فهو واهم كل الوهم، لأن عرقلة حكومة الوفاق ستقود إلى عودة الصراع والتوتر من جديد، وهو ما ستكون له أبعاد خطيرة على مختلف المجالات والمستويات. ويجب أن يصل المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك إلى قناعة حقيقية بأن نجاح حكومة الوفاق لن يُحسب للمؤتمر بمفرده أو للمشترك بمفرده، فالنجاح سيُحسب للجميع على اعتبار أن ذلك ثمرة من ثمار حكومة الوفاق، والأمر ذاته ينطبق على فشل الحكومة (لا سمح الله) فالجميع سيكونون شركاء في النجاح والفشل. إذاً لا داعي للتصرفات الرعناء والمواقف الخرقاء التي يسعى أصحابها إلى عرقلة حكومة الوفاق، علينا أن نتخلص من نزعاتنا التآمرية ونزواتنا الشيطانية، نريد أن نتسلح بالإيمان والحكمة والوطنية لبناء اليمن الجديد، نريد أن تبحر السفينة اليمانية إلى شاطئ الأمان، متجاوزة كل الأعاصير والزوابع البحرية العاتية، ولا نريد أن نحكم على أنفسنا وعلى وطننا بالغرق والهلاك. حفظ الله اليمن واليمنيين، وأدام علينا نعمة الوحدة والأمن والاستقرار، ولا عاش أعداء اليمن.