قبل يومين قُمت بزيارة مع إخوة أعزاء إلى منطقة «القبيطة» تجهّزنا لاكتشاف هذه المنطقة من اليمن كما لو أننا «أحمد بن ماجد» أو فريق مكتشفي قارة العالم الجديد, رغم توفر المواصلات والطرق المعبّدة يبقى الواحد منا محصوراً في حارة أو «بوفيه» وكأنه عجوز ينتظر الموت أو مريض نفسياً؛ بينما نعجز أن نرى ما حولنا، الظروف تتكالب على الواحد منا فيصاب بالضجر والانزواء ليبقى بين عوادم السيارات و«قوارح» الرصاص وكذب المسؤولين الجدد والقدامى. اكتشفت أن مناطق بلادي أيضا ًتستحق أن تزار؛ فهي مدهشة حقاً، وسترى جديداً، ولو وجد حس لكانت مهمة الحكومة الترويج السياحي لمثل هذه المناطق التي لن تكون أقل من الأهرامات وأكثر إدهاشاً للسياح ودون مبالغة، وصلنا الراهدة لنبدأ مرحلة الصعود إلى جبال «اليوسفين قبيطة» قابلتنا صورة عبدالسلام مقبل بوجهه الوديع وملامحه الهادئة وتقسيمات دهاء بارزة لا تخلو من براءة وسلامة صدر، الكثيرون لا يعرفون عبدالسلام مقبل، هذا كان من رجال اليمن المتميّزين والمؤثّر الأول على الرئيس الحمدي، من ضحايا النظام السابق أعدم مع زملائه من قادة الحزب الناصري وفي مقدمتهم عيسى محمد سيف و«مهيوب العرفي» هذا الأخير كان من البلاد ومن ضمن العسكريين الذين أعدموا، صورة «مقبل» المرفوعة تدل على أن الطغيان ينطمس سريعاً، والمظلوم يبقى ليعطي دروساً عن دولة الحق والباطل. لا نريد أن نذهب بعيداً في السياسة، فنحن في رحلة استكشافية «لأدغال» القبيطة وشواهقها التي كانت ضمن مخلاف «المعافر» يوماً، نعم «شواهق وأدغال» القبيطة بكل ما تعني الكلمة، وإن كانت الأشجار الكثيفة التي كانت تغطّي مثل هذه المناطق وترتعي فيها الأسود والنمور والظبى قد اختفت لصالح التصحُّر في الأرض والإنسان، هي منطقة واسعة من الجبال المترابطة، سلاسل جبلية تصعد جبلاً لترى أمامك مجموعة أخرى من الجبال المنهكة والشاهقة، الطرق شريان حياة فعلاً، وكانت الطريق معبّدة بإتقان، ومن النادر أن تجد طريقاً متقنة في «السفلتة» والجدران الساندة، تحية «للمقاول» كانت هذه الطريق المعبّدة دليلنا، وصلنا إلى آخرها، وهي طويلة، ربطت القرى المنثورة على المرتفعات والهضاب بإتقان سلس، هي منجز رائع تجعل الحياة ممكنة في هذه المنطقة الصعبة العسرة التي لا تسكنها إلا الطيور والرباح والرياح، وسيندهش أي سائح أجنبي من أعجوبة الإنسان الراقد على هذه المرتفعات العسرة..!!. عرفت كيف أن هذه المنطقة الصعبة كانت حافزاً لأبنائها للتحدّي، فخرج منهم سياسيون كبار وتجار ومثقفون متميزون ومربّون عمالقة، مررنا بقرية الأستاذ «محمد علوان مفلح» وهذا معروف لكل أبناء تعز تقريباً كان، أستاذاً للجميع وأباً للجميع «محمد علوان» «الإخواني» المنفتح على الجميع الذي بدأ فلسفة فتح القلب وتوزيع المحبة لكل يمني، يكاد يكون الوحيد الذي تجد له في كل قرى تعز طلاباً ومريدين ومحبّين من كل الأطياف, نسج امبراطورية من الحب والعلم أثناء إدارته لمعهد المعلمين في تعز وحوّله إلى خلية بناء وعلم وفن وشعر، رحمك الله يا محمد علوان. تدهشك الجبال والقلاع المرتفعة التي تجاور النجوم والتي تحتفظ ببقايا دور حصينة تخبرك عن مقاومة الغزاة وعن الحروب بين القبائل وحكايات التنازع عن القيادة والزعامة، لعنة الحكم والصراع على السلطة في كل المستويات مازالت تطاردنا، وهي مليئة بالدم والغدر في أساطيرنا وحكايات الآباء والأجداد. هناك «أسوار» ممتدة من أعلى إلى أسفل الجبال وكأنها قطعة مصغرة من سور «الصين العظيم» لكنها هنا طبيعية من صنع الخالق جل وعلا، لا أحد يلتفت إليها وإلى أعجوبتها لأنها في اليمن، فكل شيء عندنا ما ينفعش، «عقدة الأجنبي» هي التي جلبت الأئمة من كل بقعة نعلمها ولا نعلمها ليحكمونا ويخربوا اليمن إلى اليوم بفعل الصراع بين اليمنيين والتشاحن وعجزهم عن حل مشاكلهم وقبول بعضهم؛ وهو ما يفسح مكان السيادة للأجنبي برضانا واختيارنا، وهي أمور تتكرّر وتفقدنا خاصيتنا الوطنية، وتجعل الأجنبي يعبث بنا قديماً وحديثاً، ويستاهل البرد الذي ما «يقبلش اخوه». [email protected] رابط المقال على الفيس بوك