ارتبط شهر مارس في ذاكرتي وأبناء جيلي بعيدين هما عيد الشجرة وعيد الأم، أما الأول فكان احتفاؤنا به في المدرسة من خلال مادة التعبير ومن خلال الأنشطة في ساحة المدرسة، وأما الحدث الثاني فكان الاحتفاء به في المنزل مع أمي. كبرنا قليلاً لنعرف أن مارس شهر المرأة؛ يحتفي العالم فيه بالمرأة نظراً لأهمية دورها كأم وربة منزل ومعلمة ومهندسة وكاتبة أيضاً وغيرها من المجالات التي أثبتت فيها المرأة حضورها اللافت حتى في مجالات كانت في ما مضى حكراً على الرجل. اليوم المرأة في كل الميادين ومنها الميدان الثوري ثائرة في الساحات وثائرة في البيت ترفد الساحات بخيرة أبنائها وبناتها ،أثبتت المرأة حضوراً ملفتاً ومقنعاً للكثير من العقول التي أطرت دور المرأة سابقاً في أدوار محددة. كبرنا - كما يبدو- أكثر من اللازم لنضيف لشهر مارس حدثاً مؤلماً تمثل في تاريخ هو الأسوأ ليس لليمنيين فحسب وإنما على المستوى الإنساني بشكل عام وهذا الحدث الذي عايشناه قبل ثلاث سنوات لا يزال وسيبقى الجرح الذي لا يبرأ حيث نقلت لنا كاميرات البث المباشر مجزرة جمعة الكرامة التي لا تزال أطراف معينة تخفي حقيقة مرتكبيها وتتستر على من خططوا لها ونفذوها بقلوب وربي إنها أقسى من الحجر. هو شهر الكرامة إذن، شهر الذهاب إلى الجنة أفواجاً، شهر القصص التي يحكيها كل بيت وترويها أفواه الموجوعين ممن فقدوا خيرة رجالهم وأبنائهم. هو الشهر الذي يأتي إلينا ليذكرنا بمدى جبروت السلطة و وحشية الدفاع عن حكم لم يستوعب قرار شعب بأكمله نادى برحيله. لا تزال هذه الجريمة البشعة كغيرها من الجرائم في بلادي تبحث عن الجناة، فنحن في وطن لا يحترف شيئاً قدر احترافه إخفاء الحقائق والتلاعب بقلوب الثكالى واليتامى والمقهورين. ولّما كان في القصاص حياة فقد حٌرم من الحياة أصحاب الحق الذين صودر حقهم في القصاص ممن اغتالوا بكل قسوة حياتهم بقتل أعزائهم و ذويهم من آباء و أزواج وأبناء وبناءً على ذلك فنحن أمام جريمتين الأولى القتل والثانية حرمان أصحاب الدم من الحياة بحرمانهم من القصاص. كان يأتي إلينا شهر مارس ملوناً بألوان قوس قزح يأتي مبتهجاً محملاً بالاحتفاء بالأم والشجرة والمرأة واليوم يأتي محملاً بالحزن والقهر والفخر أيضاً بشباب لم تكسر همتهم وإرادتهم قوة السلاح وجبروت الظلم. هل نشطح بأحلامنا إذ ما راودنا حلم أن يأتي إلينا مارس القادم وقد كشفت حقيقة من ارتكب الجريمة ونال الحكم العادل لنحتفل بمارس وقد خلع وشاحه الأسود ليكون شهر المرأة والشجرة والكرامة شهر الشهداء والشهادة. صار شهر مارس حزيناً وقد أصبح عنوانه الرئيس رصاص القناصة التي أودت بحياة العشرات بسبق الإصرار والترصد، حملوا البنادق وصعدوا إلى أسطح المنازل لتنفيذ توجيهات معينة باغتيال الوطن عبر صدور شبابه. صارت الدماء هي التفاصيل المقيتة لهذا الشهر البشوش. لتبقى السياسة بدناءة أخلاق أصحابها تتحكم بحياة وطن بأكمله بتفاصيله بأبنائه وبناياته وشوارعه ليصبح وطناً تزينه صور الشهداء والقتلى نجدهم حاضرين بيننا على السيارات وعلى جدران الشوارع يتربعون صدور مجالسنا ومنازلنا وقلوبنا أيضاً، حاضرين مبتسمين ساخرين منا ومن فشلنا فقد خذلناهم بصمتنا رغم أننا نعلم يقيناً من هم الذين صعدوا على جثامينهم إلى أماكن ما حلموا بها حتى وهم يبذخون في خيالاتهم . صار مارس الحكاية التي تلوكها الألسن وجريمة تشبه الكرة التي يتقاذفها فريقان كل يرمي الذنب والجرم على الفريق الآخر ونحن في صفوف الملعب نشاهد مباراة هزلية لم تنته رغم مرور هذه السنوات، مباراة نشاهدها ونحن فاغرون أفواهنا مندهشين من هول الكذب ومبهورين بالإفلاس الأخلاقي للبعض الذي لا يزال يمارس كذبه وبطشه ونفاقه على شعب أثقلته الهموم واستوطنه الخوف وأرهقه البحث عن وطن ضاع بمباركة منا جميعاً دون أي استثناء. [email protected]