العنوان جزء من آية قرآنية وردت في سورة هود، وهو سؤال تعجّبي صريح، ليس المقصود به قصة لوط عليه السلام كما حكاها القرآن الكريم عندما جاءته الملائكة ضيوفاً وجاءه قومه يريدون أن يوقِعوا بضيوفه، فلا يملك إلا أن يسألهم متعجباً «أليس منكم رجلٌ رشيد» فينهاكم ويزجركم، وهذا دليل على مروجهم وانحلالهم من الخير والمروءة كما قال المفسر السعدي. وإنما المقصود به في هذا المقام سؤال معاتبة نوجّهه إلى جميع ساكني بسيطة اليمن الميمون والجديد إن شاء الله، وخاصة الذين فقدوا فضيلة الصبر وابتلاهم الله بمرض شهادة الزور وحب المشاكل وإيذاء الآخرين أو أكل حقوقهم أو ظلمهم أو التحريش بينهم أو قتلهم، والذين حمّلهم الله مسؤولية المواطنين وحل قضاياهم بأمانة وعدل وإخلاص. ويتجلّى هؤلاء البشر بوضوح عندما تزور بعض مقايل المشائخ أو أقسام الشرطة أو المحاكم أو النيابات اليمنية؛ فتجد قضايا بين الأخ وأخيه، وتجد قضايا أخرى بين الأقارب وخاصة بين أولاد العم، وتجد أخرى بين جيران، وتجد قضايا أخرى بين قبائل متنازعة دامت سنين من العمر، ومكمن الداء هو الثأر أو أن تكون بداية القضايا مشاكل بسيطة بين الأطفال ثم تتطور وتكبر وتصل بعدها بين الكبار ومن ثم تسوّق وتكبر حتى تصل إلى مراحل متقدمة من النزاع، وإما أن تكون بدايتها شبراً أو ذراعاً أو باعاً من الأرض يتم النزاع عليها شيئاً فشيئاً ويغيب فيها طول النفَس ويأتي شياطين الإنس ويحرشون بين الناس ويزينون وجه الباطل، الأمر الذي يؤدي إلى اشتباك الأيدي والضرب وقد تصل بهم إلى القتل والعياذ بالله، وإما أن تكون القضايا بسيطة كالضرب بين الأقارب أو الجيران في القرية الواحدة، ولا يتم الفصل بينها في حينها من قِبل بعض المشائخ أو عقال الحارات مثلاً؛ فبدلاً من أن يسيطر عليها المشائخ أو العقال ويطفئون جذوة اشتعالها يزيدون من جمع الحطب لتزيد اشتعالها ويحصلون على مبتغاهم من المال - إلا من رحم ربي – فمنهم من يفصل بينها بأمانة وإخلاص ومنهم من يفرحه دافع العطاء الكثير فيحلها، ومنهم من يتبرأ منها ويحيلها إلى جهة ضبط عليا أو إلى المحاكم والنيابات. وعندما تصل القضايا – أيّ قضايا - إلى المحاكم والنيابات هناك يزيد لهيبها وتجد العجب العُجاب؛ تجد قضايا لها أيام بل شهور بل سنوات لا يمكن حلها إلا بعصا سحرية، وبعضها يستعصي على الحل بسبب شهادات الزور التي ظهرت مؤخراً وأبطلت الحق وأحقت الباطل في ظل واقع قضائي واضح للجميع، وما أقل القضاة النزيهين الذين يراعون حق الله تعالى والناس!. من أجل ذلك نسأل ونعاتب الجميع: “أليس منكم رجل رشيد”..! هذا واقع حقيقي ومُرّ يشاهده الجميع ولا يمكن إنكاره ينبع من ثقافة متدنية وعدم تطبيق لكتاب الله تعالى وسنة نبيه، ولكن هل تكفي المعاتبة وصبّ اللوم على الآخرين وترك الحبل على الغارب؟ أم كيف تتحقق الرجولة ويأتي الرشد ونحن لا نبحث عنهما؟. إن الإجابة على ذلكما السؤالين تقتضي أموراً عدة أهمها: العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه والبحث فيهما عن الأشياء التي قصرنا فيها ومعالجتها، ولابد من تأنيب الضمائر ومعاتبتها ولومها والتحلّي بإصلاح ذات البين مهما كلف ذلك من ثمن، ولنكن رسل خير وسلام وإصلاح ونصيحة ومعروف وأخوّة وعدل لا رسل شر وقتل وتفريق وتمزيق وتحريش وظلم، وبواسطة ذلك تتحقق الرجولة والرشد، وليكن للخطيب دوره وللإمام دوره وللشيخ أو العاقل دورهما وللقاضي دوره وللرجل دوره وللمرأة دورها حتى أعلى مسؤول في الدولة يجب أن يكون لهم دور صادق وعادل في موقعهم. وليكن دورهم جميعاً واحداً هو نهضة اليمن وإصلاحها وتطورها ونمائها وبث العدل فيها بعيداً عن المشاكل أو القضايا التي تعكر صفوها ونقاءها مصداقاً لقوله تعالى: “إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم” – الحجرات 10، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة المتفق عليه: “كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة”، ولنسأل أنفسنا في كل خطوة نخطوها بالقول: أليس منا رجلٌ رشيد..!. [email protected]