أثارت المواجهات المسلّحة التي دارت في العاصمة صنعاء حالة من الخوف والهلع بين المواطنين لاسيما الأطفال والنساء الذين وجدوا أنفسهم محصورين بين الميليشيات المتقاتلة بمختلف أنواع الأسلحة والتي تتبادل القصف العشوائي دون أي اعتبار لما قد يخلّف ذلك القصف من ضحايا بين المدنيين. لقد تسبّبت تلك المواجهات بسقوط العشرات من المدنيين بين قتيل وجريح بالإضافة إلى النزوح الجماعي هرباً من شبح الحرب الذي يخيم على أجواء العاصمة، وبعد تعسر الوصول إلى الحلول والمعالجات التي تجنّب اليمن واليمنيين مغبة الانجرار نحو حرب أهلية. بدا واضحاً إصرار الأطراف المتصارعة على التوجُّه نحو العنف ورفض كل مبادرات السلام التي قدّمت لاحتواء الموقف بما فيها جهود المبعوث الأممي؛ وكل ذلك بسبب مكابرة البعض وعنادهم ورفضهم تقديم أي تنازلات تصب في صالح الوطن والمواطنين. إن الاستقواء واللجوء إلى العنف لفرض أجندة معيّنة أو الحصول على مكاسب سياسية أمر غير مقبول ويتجافى كثيراً مع الواقع الذي يلزم الجميع القبول بالحلول والمعالجات التوافقية المنبثقة عن حوار صادق ومسؤول ولا تبتعد عن مخرجات الحوار الوطني أو تتعارض معها. لقد وضعت هذه المواجهات القوى السياسية المختلفة أمام مسؤولية وطنية تفرض عليها القيام بها بكل الصدق حفاظاً على السلم الاجتماعي والأمن والاستقرار والتعايش السلمي وحماية المواطنين ومؤسسات الدولة بعيداً عن أي حسابات أخرى وأي طرف يعتقد أن بمقدوره فرض أجندته الخاصة بالقوة فهو مخطئ، كون العنف لا يولّد إلا مزيداً من العنف. أمن وحماية العاصمة والمدن اليمنية مسؤولية كل اليمنيين؛ لأن أي اختلال سيقود إلى حرب أهلية تحرق ما تبقّى من مقدّرات الوطن، وحينها لن يكون هناك طرف في منأى عن ما ستؤول إليه الأحداث، يجب أن تتوقّف كل المواجهات المسلّحة، وأن يخضع الجميع لمنطق العقل، وعدم الاندفاع خلف النزعات الانتقامية التي قد تجر البلاد إلى مزيد من الدماء والحروب التي لا تهدأ. من السهل على أي طرف إشعال شرارة الحرب؛ إلا أنه من الصعب عليه أن يتحكّم بمسارها، في ظل هذا الاحتقان القائم، وإن اعتقد هذا الطرف أو ذاك أن صبر الدولة ضعفٌ فهو مخطئ، كون الدولة لا تريد الانجرار إلى أية مواجهات مسلّحة تجلب إلى اليمنيين المزيد من الويلات والدمار والحروب وكون الوطن لا يحتمل المزيد من الصراعات الدامية. الدولة حريصة على أن يستتب الأمن ويعم الاستقرار كل أرجاء الوطن ويخرج اليمنيون من هذا المنزلق الذي يحاول بعض الأطراف إبقاءها فيه تنفيذاً لرغباتهم البعيدة عن الإجماع الوطني. يجب على الجميع الجنوح إلى السلم والتجرُّد من الأنانية المفرطة التي تقود إلى تدمير الوطن، وتغليب مصلحة الشعب والوطن على ما عداها من مصالح. وهنا لا يجب أن يغتر من يرى أنه حقّق انتصاراً، وعليه أن يستفيد من الدروس والعبر السابقة، وأن يدرك جيداً أن اليمن ملك لليمنيين جميعاً وليس بمقدور أحد أن يفرض إرادته على أرادة الشعب، وأن التعايش السلمي والقبول بالآخر هو الركيزة في بناء الدولة اليمنية ولا يمكن القفز عليها أو تغييبها. [email protected]