أكدت أحداث عمران التي استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر أن بقاء الأسلحة الثقيلة والمتوسطة في يد الجماعات المسلحة والأطراف السياسية يشكل خطراً وتهديداً حقيقياً على أمن الوطن واستقراره، ويؤكد أيضاً استمرار الصراعات والمواجهات المسلحة بين الأطراف المتنازعة من جانب، وبينها وبين الدولة من جانب آخر، كما أن بقاء الأسلحة بعيداً عن سيطرة الدولة يشجع على التمرد وفرض حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.. والأهم من كل ذلك يمثل عائقاً حقيقياً أمام تنفيذ مخرجات الحوار الوطني ويضرب التسوية السياسية بمقتل.. هذه الأحداث وما خلفته من مآسٍ يجب التوقف أمامها بجدية ومسؤولية واتخاذها منطلقاً لاستعادة هيبة الدولة ومكانتها وضمان عدم تكرارها في المستقبل سواء في عمران أو غيرها من المحافظات، ولن يكون ذلك ممكناً إلا من خلال نزع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من جميع الأطراف لتبقى الدولة هي الوحيدة المسيطرة على تلك الأسلحة والمالك لها.. حان الوقت المناسب اليوم للحديث عن المستقبل اليمني بكل الصدق والمسؤولية وإرساء ثقافة الحوار والتصالح والتسامح ونبذ الأحقاد والكراهية وبناء شراكة وطنية قوية يشارك فيها الجميع دون تمييز أو إقصاء أو تهميش، وبعيداً عن فرض لغة القوة أو اللجوء للعنف من أي طرف كان.. لقد أكدت كل المكونات المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني على تعزيز الشراكة والمشاركة الوطنية والتوجه الجاد صوب بناء الدولة المدنية الحديثة القائمة على أسس العدالة والمساواة والحكم الرشيد وإعلاء سلطة النظام والقانون، وتم تتويج ذلك بوثيقة مخرجات الحوار الوطني التي أقرها وتوافق عليها الجميع، وهذا يعني بأن ما تم التوافق عليه أصبح ملزماً وواجب التنفيذ.. وهذا يؤكد أيضاً أن تلك المكونات التي توافقت على مخرجات الحوار اختارت أن تكون كيانات سياسية مدنية وليست عسكرية، وهي ما يتعين أن تبدأ بحل مليشياتها المسلحة وتسليم كافة الأسلحة التي بحوزتها للدولة.. والاصطفاف خلف القيادة السياسية لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وإنجاز ما تبقى من مهام المرحلة الانتقالية.. ما حصل في عمران كان نتيجة الخطاب الإعلامي التحريضي، وانتهاج لغة التحدي في التعامل مع الآخر والإصرار على فرض واقع مغاير لما أكدت عليه مخرجات الحوار الوطني ولا يخدم إلا مصالح حزبية ومذهبية وشخصية ضيقة.. وهذا الخطاب خلق واقعاً مأزوماً أدى في النهاية إلى التصادم والمواجهات المسلحة وما خلفته من تداعيات.. لذلك ينبغي أن تقتنع الأطراف المتصارعة أن ما تنتهجه من خطاب تحريضي ومعادٍ للآخر لا يهيئ ولا يقود إلى أي مصالحة وطنية شاملة، كما يجب أن تقتنع أيضاً أن القبول بالآخر والشراكة معه أمر حتمي وفقاً لما أكدت عليه مخرجات الحوار الوطني.. وفقاً لذلك، فمن العبث الاستمرار في مثل هذا الخطاب التحريضي والمنهج الصدامي والإقصائي الرافض للآخر.. ونحن عندما نطالب بضرورة نزع الأسلحة كمدخل حقيقي لتنفيذ مخرجات الحوار يجب أن يكون هناك في المقابل خطاب إعلامي عقلاني يسهم في تعزيز توجهات الدولة المتجهة نحو إحلال السلام ليس في عمران وحسب وإنما في كل اليمن.. كون بقاء الخطاب الإعلامي المثير للفتنة سيؤدي إلى إشعال فتيل المواجهات المسلحة مجدداً، ويعيق أي توجه لإحلال السلام وإرساء مبدأ التعايش السلمي بين أبناء الوطن والدين الواحد.. إن ما قاله رئيس الجمهورية المناضل عبدربه منصور هادي حول نزع الأسلحة من كل الأطراف ودون استثناء هو الخطوة الأهم في طريق تنفيذ مخرجات الحوار الوطني.. والمدخل الذي سيقود إلى تحقيق آمال وتطلعات اليمنيين في بناء دولتهم الجديدة الآمنة والمستقرة، بعيداً عن الصراعات وصناعة الأزمات، وبعيداً عن النزعات الطائفية والمذهبية والمناطقية والجهوية والشللية والقبلية التي أثبتت فشلها عبر التاريخ اليمني.. [email protected]