العائد من الحج كمن لا ذنب له, وسمعنا أيضاً أن العائد من الحج يعود كمن ولدته أمه للتو محرّراً من أوزار الذنوب والخطايا, لكن ماذا عن الحاج العائد اليوم, وفي انتظاره شياطين إنس على أهبة الاستعداد لتشغيل عداد ذنوبه المصفّر, وبسرعة عالية..؟!. لا تكاد تمر علينا ساعة واحدة دون أن نتساءل مرعوبين عن ماهية تلك الأصوات التي مصدرها ذخيرة مجنونة صارت تطلق بلا حسيب ولا رقيب؛ خصوصاً والأعصاب مشدودة, والكل يضع يده على قلبه بسبب غياب الأمن .؟!. طوال اليوم تقريباً يجمعنا سؤال الخوف الواحد «مو ذا القارح..؟!» تتنوّع الأجوبة كل لحظة، فذاك يطمئنك أن كل تلك الذخيرة مجرد فرحة «بعريس» وذاك يهدّئ من فزعك بجملة «ساعالايش، عيد الناس فرحين..!!» ومؤخراً صرنا نسمع عذراً جديداً «ساعالايش حجاج رجعوا, ويرحبوا بهم..!!!». فقط في بلد أمسى الفرح فيه والحزن سواء, والعاقل فيه والمجنون سواء, يرحبون بالنقي القادم من أطهر بقاع الأرض مغفور الذنب بأصوات الرصاص و«القريح» والقنابل الصوتية ليملأوا ذاك الخالي الوفاض بذنوب جديدة, قد لا تمحوها حجتان متتاليتان بعد ذاك الترحيب الذي ينقصه فقط إنزال مظليين ليصبح مناورة عسكرية أكثر منه مجرد ترحيب. وللأسف لا يملأ الحاج العائد بذنوب جديدة فقط, ولكن يمنح مشدودي الأعصاب لحظات رعب هم في غنى عنها, ويوقف قلوب أرهقها الخوف على بقايا وطن غدا على كف عفاريت المليشيات, وتحت رحمة المستهترين والهمجيين المستغلين غياب الدولة وإمكانية المحاسبة والمساءلة عن تلك التصرّفات الهمجية التي ترعب الناس وتروّعهم أيما ترويع, فأين أولئك الهمجيون عن نهي الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام عن ترويع المؤمن لأخيه المؤمن, ولو حتى على سبيل المزاح, فما بالنا اليوم بمن يفزعه من نومه على أصوات القنابل الصوتية وأزيز الرصاص..؟!. في الحقيقة إن عجزنا عن تهذيب ابتهاجنا قبل غضبنا وأفراحنا قبل أحزاننا بحجّة ألا رقيب علينا من الأمن ولا الشرطة؛ يجعلنا أمام حقيقة مخيفة مفادها أننا وللأسف مجتمع «ميليشياوي» بالفطرة, وبالتالي نحن بعيدون عن ركب الحضارة بملايين السنين, ولا أمل في أحلام المدنية لمواطن هو نفسه لا يحترم غيره, إلا إن كان «الصميل» فوق رأسه. ولا أمل في مواطن يدوس على القانون وحق الجوار كلما راوده الفرح أو غيره, ولا أمل في مواطن يعيش بشريعة الغاب وبعرف الأدغال رغم ارتدائه أحدث صيحات عوالم الموضة العالمية, مواطن لن يلحق بركب الإنسانية والأمم الحرة المتحضّرة؛ لأنه وعند اللزوم يظهر على فطرته «مواطناً ميليشياوياً».