أنا الدمشقيُّ لو شرّحتمُ جسدي لسالَ منهُ عناقيدٌ وتفّاحُ ولو فتحتُم شراييني بمُديتكم سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا «ماتوا برداً» هكذا جاء في الخبر وفاة 4 سوريين برداً بفعل العاصفة الثلجية التي تضرب منطقة الشرق الأوسط بينهم طفلٌ رضيع لم يتجاوز الثلاثة أشهر, قضى الرضيع برداً بين أحضان أمّه التي لربما تلحقه وهي على أعتاب حاجز عار حدودي, حاجز يدقّق كثيراً ويماطل في إنقاذ رضيع من البرد كون اختراقه للحدود مهدّداً للأمن القومي؛ بينما لا يكون ذاك الحرص والتدقيق حين يسرح ويمرح رجال «الباسيج والموساد» على ذات الحدود..!!. ماتوا برداً واقتلعت العاصفة خيامهم في الزعيتري, ويتناوبون ليل البرد القارس لإزالة الثلج عن ما تبقّى من خيامهم؛ بينما يتباهى عُراة الأخلاق والمشاعر والدين بإضاءة برج بتكلفة مليارات في الكريسمس ليكون أكبر شاشة إعلان في العالم, وتصبح لاحقاً تلك المليارات مجرّد رقم في موسوعة «غينيس» وشاهدة عن سفه عربي لا حدود له. تلف الثلوج اللاجئ السوري وتقسو عليه العاصفة ويعجز عن اتقاء وحشية ذاك الزائر الأبيض ولو بجوارب أو كسرة خبز يابس, بينما يعكف إخوانه العرب متدثّرين ببطانيات اللا نخوة واللا إنسانية وانعدام الضمير بمتابعة مستجدّات «عرب ايدول» وآخر أخبار النجوم..!!. يموتون برداً ليكونوا شهداء على موت الضمير العربي بشكل خاص والعالمي بشكل عام, يموتون ليكونوا شهداء على كرتونية كل الهيئات العالمية وعلى رأسها مجلس الأمن وقبله بكثير نعش الجامعة العربية, يموتون برداً وحيدين تملأهم العزّة والكرامة واليقين الذي لم يفارقهم منذ اللحظة الأولى للثورة أن لا أحد معهم, وأن «ما لنا غيرك يا الله» فيكون لهم ذلك, ولا يبقى معهم في مأساتهم هذه, مأساة القرن إلا الله وحده, الله الذي يمنُّ عليهم برحمة الاصطفاء إلى جواره الرحيم, الكريم, بدلاً عن جوار أمّة العار والخذلان.
همسة ضد الإرهاب وضد أن يموت بسببه أحدٌ؛ لكنّي لستُ راضية عن لهث زعامات عربية لتشارك في مسيرة باريس، علماً أن نفس تلك الزعامات صمتت عن مقتل مليون عراقي, ونفسها أيضاً من غضّت الطرف عن موت اللاجئ السوري على حدودها برداً دون أن تكلّف ذاتها مجهود تفقُّد الطفل السوري ولو بجوارب أو كسرة خبز يابس تقيه شدّة الزائر الأبيض, ألم يكن فكُّ حصار جوع غزّة أولى بالتضامن، أليس الأقربون أولى بالمعروف..؟!. ما للعروبةِ تبدو مثلَ أرملة؟ أليسَ في كتبِ التاريخِ أفراحُ؟ والشعرُ ماذا سيبقى من أصالتهِ؟ إذا تولّاهُ نصَّابٌ ومدّاحُ؟ وكيفَ نكتبُ والأقفالُ في فمنا؟ وكلُّ ثانيةٍ يأتيك سفّاحُ؟ حملت شعري على ظهري فأتعبني ماذا من الشعرِ يبقى حينَ يرتاحُ؟ «نزار قباني»