أعجب كل العجب لمن يقول إن استقالة الرئيس هادي أدخلت اليمن في أزمة سياسية خانقة.. وأعجب أكثر ممن يحاول أن يربط حل الأزمة بالعدول عن استقالته؛ لأن صاحب هذا القول وذاك قد قفزا بعيداً عن الحقيقة وتجاوزا الواقع الذي يقول وبكل لغات الدنيا إن اليمن تعيش في أزمة سياسية حتى من قبل أن يأتي الرئيس هادي واستمرت معه وسوف تستمر من بعده. ألم يكن هادي رئيساً لليمن لأكثر من ثلاث سنوات، وطوال هذه السنوات عجزت القوى السياسية المتصارعة التي خذلته أو بالأصح تقاعست عن التوصل إلى أي حلول للأزمة السياسية التي كانت صنيعتهم بامتياز، فمن يصنع الأزمة ويعمل على تعميقها لا يمكن أن يسهم في حلها، ولهذا فقد وصلنا إلى قناعة بأن كل ما يقوله الساسة وقادة الأحزاب المتصارعة وهواة السياسة لا يعوّل عليهم أبداً ولا يمكن أن يكونوا مفتاحاً لحل الأزمة التي هي بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً في نظر الكثيرين من هؤلاء.. وحتى لو عاد الرئيس هادي وتراجع عن الاستقالة التي اضطر لتقديمها حفاظاً على ما تبقّى من هيبة الدولة، فإن الأزمة السياسية ستبقى وتتواصل وتتشعب وتتشابك خطوطها أكثر، وبالتأكيد سنسمع أن من ينادي بعودة الرئيس هادي اليوم ويراه ضرورة لحل الأزمة قد نكص على عقبيه ويعمل على إذكاء الأزمة، وتحميل الرئيس هادي المسؤولية، ونكاد نسمعه يقول إن عودة الرئيس وتراجعه عن الاستقالة من أهم وأكبر عوامل بقاء الأزمة السياسية، وهكذا هو الحال عند بعض قادة الأحزاب ومحترفي السياسة، فكل ما ينادون به ويشددون عليه ويتمسكون به يتغيّر باستمرار، ويتناقضون بين ليلة وضحاها، كما أن أفعالهم لا علاقة لها بأقوالهم، فالسياسة التي تنتهجها بعض القوى السياسية وبكل أسف قائمة على قاعدة (المكاسب الحزبية قبل المصالح الوطنية)، وهنا مربط الفرس كما يقال، ولو أن المتباكين اليوم في الفضائيات وعلى صفحات التواصل الاجتماعي أخلصوا نواياهم وحملوا همَّ الشعب وراعوا مصالح وطنهم قولاً وعملاً لما خذلوا الرئيس هادي وكانوا عوناً له ولم يستثمروا الأزمة لتحقيق مكاسب حزبية وشخصية، فالاختلاف في الرأي لا يعني الخصومة الدائمة، كما أن تعارض المصالح لا يؤدّي إلى التضحية بالوطن، فالناصح أمين؛ فلا ينصح إلا بالحق وبما يحقق المصلحة العامة ولا يعمل إلا ما يراه مناسباً ويقود إلى تقريب الفُرقاء وإزالة التوترات فيما بينهم، وهذا ما افتقدناه في جوقة الساسة، فكانت الأزمة هي المولود الشرعي لصراع الساسة. نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى رؤيا توحّد الفُرقاء وتجمعهم على قلب رجل واحد بعيداً عن دعوات التفرقة والشتات وسياسة التنافر وإثارة الفتنة وبذر الأحقاد والكراهية.