لا يعرف الشاب الثلاثيني حبيب الشمري إلى أين يمكن أن يصل الارتفاع الجنوني لمستلزمات البناء، لكنه يعلم يقينا أن مشروعه لتشييد بيت متواضع بات مؤجلا إلى إشعار غير مسمى، بل ربما يكون قد وئد في مهده. ما يرويه حبيب ل"الأسواق.نت" حال يمر بها عشرات الآلاف من السعوديين الذين تنبهوا إلى ضرورة امتلاك منزل أو شقة بعد الغلاء الكبير الذي طال الإيجارات السكنية بنسب تراوحت بين 30 و50%، مما جعل استئجار شقة من 3 غرف كفيلا باستنزاف نصف المدخول الشهري تقريبا، على اعتبار أن متوسط رواتب الموظفين يعادل 4 آلاف ريال شهريا. لكن حبيب يصف التوجه نحو امتلاك بيت خاص بأنه صحوة جاءت متأخرة، مبديا تخوفه من اتجاه المؤجرين نحو فرض زيادة أخرى على إيجارات عقاراتهم، مستفيدين من تضخم تكاليف البناء وتقلص فرص التملك إلى حدودها الدنيا. وشكّل رفع أسعار الحديد من قبل "سابك"، أكبر منتج للصلب في المملكة، الشغل الشاغل لشركات التعمير والمقاولين والمواطنين على حد سواء، ممن اختلفت زاوية نظرهم للقضية، لكنهم اتفقوا على أثرها في إبطاء حركة الإنشاء وإيقاف كثير من المشروعات التي يتولى تمويلها جهات أو أفراد محدودو الميزانية. وفي هذا الصدد أكد مدير عام شركة صحارى بالرياض أنه لا جدال في الأثر السلبي لارتفاع أسعار الحديد على أعمال المقاولات بشكل عام. وأوضح المهندس محمد حكمت ل"الأسواق.نت" أنهم في غالب الأحيان لا يراجعون المهندس المصمم ولا يعترضون على مخططاته منعا لإحراجه، إلا أنهم يستجيبون لاقتراحات العميل عندما تتعلق بتخفيض نسب المواد، ما دام ذلك ضمن الحدود المسموح بها. ولم يشأ حكمة الخوض في نسبة الزيادة المتوقعة على التكلفة الإجمالية نتيجة الارتفاع الأخير للحديد، موضحا أهمية خضوع المسألة لعملية حسابية دقيقة قبل إعطاء رقم، لكنه بالمقابل لفت إلى أن تصاميم مشروعات منطقة الخليج ومنها السعودية تتضمن كميات زائدة عن اللزوم من حديد التسليح، مرجعا ذلك إلى قلة إتقان العمالة المنفذة، ومحاولة المهندس الاستشاري أخذ جانب الاحتياط دائما. المهندس الإنشائي مدحت خليل تكلم حول النقطة الأخيرة بصراحة أعمق، عندما قال: إن زيادة كمية الحديد في المخطط دليل على نقص خبرة المهندس الذي وضعه"، مقراً بأن المبالغة في التسليح موجودة على مستوى واسع في المملكة. وانطلاقاً من خبرته التي تفوق 30 سنة، رأى خليل أن التصميمات الراهنة يمكن أن تحقق وفراً في الحديد يقارب من 10% على الأقل إذا تمت مراجعتها، مبيناً أن للتصميم نظريات متعددة وأن الأخذ بنظرية دون غيرها هو الذي يدفع نحو التركيز الزائد على نسبة الحديد، محملاً البلديات مسؤولية رفض كثير من المخططات لمجرد عدم اتفاقها مع هذه النظرية، رغم أن هذه المخططات سليمة من ناحية الأمان مئة بالمئة.