ينهمر المطر مصحوباً بقطع من الجليد، وقصف الرعد ما زال يصم الآذان، كل الآذان، إلا أذنيها.. تلك الواقفة بين الحقول، تمتد ذراعاها حاضنة الفرات ودجلة.. شموخاً لم تعهده امرأة من قبل. لن تبكي، أو تصرخ، وتولول. ما زال الوقت صديقاً عزيزاً. هي وحدها من يملك الوقت.. كل الوقت.. من يشعل الغضب ناراً لا تهدأ.. رياحاً تعصف وتحطم.. تبعثر وتمزق أشياء، ما كانت تذكر لولا مرض العصر.. أرهقهم الإعياء.. سقطوا.. انهاروا.. لكنها لم تسقط.. لن تسقط أبداً. ما زالت تنتظر مجيئه.. رغم قرونٍ مرت.. ثبات لا يتزعزع أمام الهول والخطر. ما أعظمها تلك القوة الخلقية، التي يتغلب بها المرء على رهبة الموت، ويقرع وساوس التعلق بالعيش والخنوع للمتعة القريبة. شعور عميق، جعلها، تؤمن جُل الإيمان أنه سيأتي يوماً ما يحملها بين ذراعيه، ويضمها جزءاً لا يتجزأ من قلبه. في مثل هذا الوقت كم ينقسم القلب.. ماذا يتبقى منه! تنتظر مجيئه.. ما زال قوياً. قد يكذب من يزعم أن غيره يمكن أن يملك عزيمة الإيمان ونخوة العقيدة. مطر.. هذا المطر لا يتوقف.. يوماً ما كان المطر جميلاً، لكنه الآن صار مصحوباً بالدموع. أفاقت من حلم طار بها بعيداً نحو أعمدة السماء. تذكرت أن قدميه قد شلتا منذ زمن.. فكيف سيأتي؟ لكن ما زال بريق من الأمل يراودها.. يناديها من أعمق.. أعمق الأعماق.. بأنه لا محالة.. سيجيء إليها. ? من مجموعة قصصية ستصدر للقاصة قريباً بعنوان «قطرات روح»