لم أكن أعلم أو أصدق بأن للقمر أُختاً تعيش بيننا على وجه هذه الأرض إلا عندما قابلتها على باب شقتها في العمارة، فقد طلب مني صديقي أن أُسلّم رسالة لأختها يعتذر فيها عن عدم قدرته على المجيء بسبب مرضه ، والفرق بينها وبين القمر هي أنها الأجمل . فالقمر إن خسف ضاعت كل ملامحه وازداد سواده .. أما أُخت القمر فهي ان انكسفت بسبب مغازلتي لها.. تزداد جمالاً فيتورد خداها كأنهما التفاح وينطبق رمشاها كليل دحمس وهو يحتضن السفن الراسية على شاطئ عينيها. قلت لها مخاطباً وهي تتسلم رساله صديقي : - أأنت !؟ أجابت وبضحكه بريئة : - لا .. أنا أختها . قلت وقد جحظت عيناي : - لا اصدق!! هل أنا في حلم أم حقيقة؟ قالت: - لماذا !؟ قلت وأنا أمد يدي باتجاهها : - أرجوك اقرصيني في يدي لأتأكد من اني أمام أخت القمر بالفعل!! قالت وهي مبتسمة وعيناها إلى الأرض: - أرجوك لا تخجلني ولا تزد شيئاً. قلت : - لقد اخبروني عنك في العمارة والشارع والمقهى ولم اصدق ذلك الوصف! قالت : - وماذا قالوا؟ قلت : - قالوا إنك فاتنة، في التاسعة عشرة من عمرك ، ما أروعك عندما تلبسين بنطلون الجينز وتلفين جسدك بعباءة سوداء ، وتتدلى على جبينك خصلة من شعرك الذهبي وكأنها خيوط الشمس وما اجمل تقاطيع وجهك ..وشموخ أنفك وكأنه البتّار عيونك .. شفتاك .. رموشك .. جفونك ..عنقك .. صدرك .. انك فعلاً آية من الجمال. واصلت حديثي معها وسألتها عن اسمها . أجابت: - إنجيلا بعد ذلك ودعتها متمنياً ان نلتقي مرة أخرى. كان ذلك أول لقاء بيننا بعدها حاولت إقناع صديقي بان يساعدني على الالتقاء بها .. ومع الأيام فشل صديقي في إقامة علاقة عاطفية مع أختها ونجحت أنا بامتياز أمام ذلك الجمال الرباني. أخبرتها يوماً ان عقول الناس قد نسجت قصص حب وهميه كثيرة معك محاولة الاساءة إليك مرددين المثل القائل (اللي ما يطول العنب حامض عنه يقول).. هل وصلت إليك تلك التهيؤات والهستيريا؟ قالت: - نعم وتواصل حديثها ..هل ستصدقني إذا أخبرتك!؟ قلت: - احب الصراحة في هذا الأمر. قالت: - لم أتخيل ذات يوم اني سأقع في شباك أحد كالسمكة ، حتى جئت انت ورميت شباكك واصطدتني! فلكم تلقيت عبارات المديح وكلمات العشق ولم تؤثر فيّ ، وكنت في قمة السعادة وأنا أرى عشرات الشبان يسيرون خلفي او واقفين منتظرين كلمة مني ولم يقتصر الأمر على الشباب.. حتى المتزوجون انبهروا بي .. وأنا سعيدة ان الله أعطاني هذا الجمال جل جلاله بديع السماوات والأرض فكانت الزيارات لا تنقطع عن بيتنا لتقديم عروض زواج لي من الجميع، وصكوك على بياض وقرارات بتدمير أُسر ولكني رفضتها جميعاً وقررت ان أعيش كملكة لأني كنت أريد ان أظل تلك الفراشة أحلق في الفضاء واغني لان كل الناس تحبني وتريد سماع غنائي وتحب ان أكون عصفورة بين العصافير ورفضت ان اغني لإنسان واحد واترك كل الزهور والبساتين!!!. كان حبنا نقياً صافياً كالماء ..حلقنا معاً وحملنا رسالة الحب إلى كل الناس وبقينا في عالم الحب .. حورية من الجنة وإنسان من الأرض . لم امسسها أبداً وإلا كنت فشلت في الامتحان.. وهبتها الحب الذي لا ينضب أبداً وأيقنت بأنها عفيفة السريرة والجهيرة .. وكتبنا ذكرياتنا على رمال الساحل الذهبي وفي الكورنيش وفي صيرة وكل المتنزهات والبساتين وكانت أختها دائماً برفقتنا ولم اكن أنانياً او متملكاً. قالت لي ذات مساء ونحن في منتزه الاسرة: - احبك. قلت محاولاً استفزازها : - لا اصدق! قالت: - سوف اصعد على الطاوله واصرخ بأعلى صوتي .. احبك ان أردت! قلت لها لدي رأي آخر: - هل ترين تلك الاسرة.. اذهبي إليهم واخبريهم بأنك تحبينني. (لم اكمل جملتي إلا وذهبت حبيبتي إلى عند تلك الاسرة).. دنت منهم كما يدنو القمر على كوكبنا ليضيء ليالينا . قالت لهم: - هل ترون ذلك الشاب؟ قالوا : - نعم وببرودة أعصاب قالت: أنا احبه. ثم جاء دوري فذهبت إليهم وسألتهم : ماذا قالت لكم؟ قالوا : - قالت إنها تحبك. قلت : - وانتم مارايكم؟ قالوا: - يبدو أنها فعلاً تحبك. وضعت ذراعها تحت ذراعي قائلاً لهم : وأنا أموت فيها!.. وسرت عائداً إلى مكاني. وفي اللقاء قبل الاخير طلبت ان تراني والتقينا في منزلها قالت وعلامات الحزن مرسومة على وجهها: - سأعاود مع الأسرة إلى صنعاء بسبب انتقال عمل والدي. ولا اعلم ماذا يخبئ لنا القدر بعد.. أنا أشكرك على كل لحظة حلوة عشتها معك لانك كنت إنساناً بكل معنى الكلمة .. معك عرفت الحب وانه أسمى من كل شيء واجمل من ان يُخدش كما يفعل البعض في علاقاتهم الغريزية فخذ مني ما تشاء فربما لن تراني بعد اليوم!. وأجهشت بالبكاء. لم استطع ان أتمالك نفسي فسالت دموعي على خدي فقلت لها: - يهون ان تطلقي رصاصة على ولا اسمع مثل هذا الكلام. وهرولت خارجاً من منزلها. وقبل سفرها بيوم طلبت مني ان نلتقي ولم يكتب لهذا اللقاء الاكتمال فهل هذا هو قدرنا..ان نفترق وهاأنا أعيش اليوم على أوراق الذكريات التي تركتها لي رسائلها منذ عام ومركزاً ذهني على كلمة احبك التي كتبتها بدمها متمنياً ان يجمعني الله بأخت القمر مرة أخرى. ( أما كاتب هذه القصة فقد احبها قبل ان يراها وتمنى ان يلتقيها ولو مرة واحدة منكراً على نفسه وجود أخريات على وجه الأرض مهتدياً ببيت الشعر القائل (الأذن تعشق قبل العين أحياناً).