احتفالية هذا العام بعيد العمال العالمي تختلف عن سابقتها، كون العالم أجمع يرزح تحت طائلة الأزمة المالية التي عصفت بأركان الاقتصاد،العالمي وأدت تداعياتها الخطيرة إلى إفلاس شركات عملاقة وتسريح مئات الآلاف من الموظفين، وما تزال الأيام القادمة حبلى بالكثير من المفاجآت التي قد ترتقي لمستوى الصدمة ولربما النكبة للعمال والعاطلين في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. وبعيداً عن النظرة التشاؤمية، سنظل دوما وأبداً نفرد مساحات للتفاؤل والأمل، من مظاهرها الاحتفاء بهذه الذكرى تعبيراً عن التضامن السنوي مع العمال وتأييداً لحقهم في الحياة الكريمة، بعيداً عن شبح الاستغلال وسطوة الجشع وغول القهر والاضطهاد، مستلهمين في المقام تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، مقتدين بخطى رسولنا الكريم(ص) ومن بعده أئمته الأطهار، كونه نبّه منذ بزوغ فجر الإسلام على حقوق العمال وضرورة إكرامهم والاهتمام بشؤونهم وقبل أن نخوض في غمار الاستطلاع الذي استنطقنا فيه آراء عدد من الشخصيات وجسسنا نبض انطباعاتهم، دعونا نعود للنبش في ذاكرة تاريخ الحدث الذي صار مناسبة، انضمت لقائمة الاحتفالات والأعياد السنوية في عالمنا اليوم. منعرج التاريخ وقصة الحدث يعود فضل تأسيس عيد العمال العالمي لمنظمة "فرسان العمل"، التي وقفت ضد تمادي اضطهاد العمال على يد أصحاب رأس المال وكانت أول من طالب بتحديد ساعات العمل بثماني ساعات و في عام 1886م و على إثر إضراب من أجل تحديد ساعات العمل اعتبر يوم الأول من أيار يوم العمال العالمي. و يعتبر عيد العمال العالمي أهم الأعياد التي يحتفل بها الشيوعيون, الذين يعتبرون أنفسهم المدافعين عن حقوق العمال و شعارهم "يا عمال العالم اتحدوا". لقد بُنيت الحضارة الإنسانية على يد العمال الذين بذلوا جهودهم الجسدية والفكرية لإعلاء مداميك تلك الحضارة. ولكن رغم أهمية الدور الذي يلعبونه تعرّض العمال لشتّى صنوف القهر والتعذيب والعمل في الظروف القاسية وغير الملائمة، وليس أدلّ على ذلك من نظرة سريعة إلى التاريخ الذي يخبرنا عمّا تعرّض له العمال في أغلب الحضارات القديمة، فكانوا يستعبدون ويستغلون في أعمال قاسية شاقّة دون تأمين مستلزمات راحتهم الحياتية، و يُجبرون على العمل في المناجم وتعبيد الطرق وبناء القصور والأسوار.. وغيرها. وقد تنبّه عددٌ من المتابعين في عصر النهضة الصناعية في أوروبا، لما يتعرض له العمال، فرفعوا لواء الدفاع عنهم، وطالبوا بتحسين ظروف العمل، وتأمين متطلبات عيش كريم لهؤلاء العمال، وتمخّض عن تلك التحرّكات والمطالب ظهور عدد من الجمعيات والهيئات والنقابات العمالية. فكان أن تأسست في أمريكا في العام 1869م منظمة "فرسان العمل" كتنظيم نقابي يسعى إلى تحسين الأمور وتخفيض ساعات العمل، ومع تطوّر الحركة النقابية نجحت مجموعة من القيادات النقابية في تكوين هيئة للعمال عام 1886م، وتبنّت هذه الهيئة الدعوة لاعتبار الأول من أيار/مايو من ذلك العام يوماً للإضراب العام من أجل تخفيض ساعات العمل إلى ثمانٍ في جميع المهن والصناعات، وقد حصلت مصادمات بين العمال والشرطة أدّت إلى سقوط عدد من القتلى، وألقي القبض على عدد من قيادات ذلك التحرّك وحوكموا، وأعدم أربعة منهم. ومنذ ذلك اليوم اتّسع الاهتمام باليوم الأول من أيار- مايو الذي صار ذكرى تستعاد كل عام، وما لبثت أن اعتبر يوماً عالمياً للعمال، يُحتفل به في كل أنحاء العالم بهدف لفت الأنظار إلى دور العمال ومعاناتهم، والعمل على تأمين متطلبات عيش كريم لهم. دون أن نغفل أو يغيب عن بالنا أن ديننا الإسلامي ممثلاً برسولنا الكريم(ص) وأئمته الأطهار، نبّه منذ مئات السنين إلى حقوق العمال وضرورة إكرامهم والاهتمام بشؤونهم. ثمار الاشتراكية والراسمالية يقول الأخ هيثم صالح البدح: لا تقتصر الأحداث والصدامات الدامية على عيد العمال وحده بل هذا شأن العديد من الأعياد التي يقف خلف كل واحد منها مأساة و آلام وتطلعات نحو شيء من السعادة فعيد الأم ويوم الطفل ويوم اليتيم ويوم الأسير وغيرها كما يقول الكاتب المهندس باهر صالح ،حالة من حالات التعبير عن الحاجة الماسة إلى أنظمة و قوانين تحقق السعادة وتضمن الحقوق وتنصف المظلوم في عالم لا يرحم ضعيفا أو يكترث لعاجز. فالعالم وعلى رأسه الجمعيات والهيئات والنقابات تائهون وراء عدل آملين الوصول إلى تحقيق شيء منه والسبب في ذلك يعود إلى أنهم يعدلون في شيء لا يرجى صلاحه. فلو أنهم أدركوا أس الفساد لما بحثوا في القشور. فالظلم الواقع على العمال وعلى المرأة وعلى الطفل وعلى اليتيم وعلى الأسير وعلى كل المجتمعات ما هو إلا ثمرة من ثمار الرأسمالية والشيوعية ومن قبلهما الوثنية واللادينية والملكية والدكتاتورية. وهذا شيء طبيعي ومتوقع في كل نظام أو مبدأ وضعه بشر سواء أكان الملك أم القيصر أم الفلاسفة والمفكرين أم رجال الدين أم العباقرة والدعاة. فهذا الكون وهذا الإنسان لا يصلحهما إلا من يعلم كنههما فيعلم ما يصلح لهما وما يصلحهما وما يفسدهما، ألا وهو العليم الخبير، الله. البحث وراء السعادة فالبحث وراء السعادة الحقيقية أو العدل الذي لا يعرف حدودا أو استثناءات لا يمكن أن يكون إلا في نظام جاء من عند الله، ونحن إذ نتحدث عن زماننا هذا فالإسلام يوفر كل ما تطمح إليه البشرية من سعادة وعدل وإنصاف وحسن رعاية وطمأنينة. لذلك ليس غريبا أن لا نجد في الإسلام سوى عيدين وهما عيد الأضحى وعيد الفطر وهما شعيرتان دينيتان وليستا من أجل إنصاف ضعيف أو نصرة مظلوم. فأحكام الإسلام كفيلة بأن تنهي مأساة العمال والأطفال والأيتام والمرأة وكل من يتعرض لأي شكل من أشكال الاضطهاد أو الاستغلال أو الجشع، ويبقى أن نؤكد أن محاولة تطبيق الأحكام الشرعية مجزأة يساهم في التخفيف من حدة المشاكل التي يتعرض لها المجتمع ولكن لا يمكن أن تتمثل الصورة كاملة إلا من خلال تبني الإسلام كنظام حياة في دولة ترعى تطبيقه وتسهر عليه. وبدون ذلك فإنه وكما أمضى العالم 123 عاما وهو ينادي بحقوق العمال باحثا عن شيء من الإنصاف فإنه سيمضى العقود القادمة بل والقرون القادمة وهو يبحث عن السراب تحفيز العمال على الإنتاج والتنافس الشريف يقول عبد الله جمعان بن ضبيع، عضو المكتب التنفيذي لنقابة عمال النفط والكيماويات في الجمهورية: لقد تعودنا طوال السنوات الخمس الأخيرة على تحفيز الموظفين في قطاع النفط مادياً ومعنوياً بإقامة احتفالات وفعاليات بمشاركة السلطة المحلية بالمحافظة والإدارة العامة لشركة النفط اليمنية لتشجيع كوادرنا على تحسين الأداء وجودة الإنتاج، وخلق أجواء التنافس الشريف بين منتسبي القطاع. يقول وديع مانا: لا أخفي عليك حقيقة، أن الاحتفاء بعيد العمال حدث بعيد نوعا ما عن دائرة اهتماماتي، فعملي الخاص يسيطر على جل وقتي، ومع ذلك فإنني لا أفوت الفرصة السانحة على الإطلاق في الخروج مع العاملين معي في رحلات ترفيهية طوال يوم أو نصف يوم، نقضي خلالها وقتاً ممتعاً ونوطد علاقاتنا الأخوية، لنعود لمزاولة نشاطنا مجدداً بروح منفتحة ومعنويات متجددة وطاقات عالية، وما من شك أن معظم مالكي مشاريع القطاع الخاص لا يلقون بالاً أو اهتماماً بهذا الجانب، فكل له حساباته وخططه الخاصة، وفي اعتقادي أنهم لو أدركوا مردود مثل هذه الرحلات على أعمالهم لغيروا من طريقة تفكيرهم وحققوا لأنفسهم مزيداً من الشعور بالراحة والطمأنينة والأمان. أهمية الدور العمالي الأخ نبيل باجليدة: تحتفل اليمن بيوم عيد العمال في الأول من مايو ، كما فعل العالم بأسره. مميزاً كثيراً من الأشخاص الذين تم أو سيتم تكريمهم من مختلف القطاعات الإنتاجية. وللتأكيد على أهمية الدور العمالي الأساسي والحيوي في عملية التنمية والبناء والتحديث، لابد من متابعة وتقصي هموم العمال والمستجدات التي تحيط بأجواء عملهم مع اعتماد توصيف شامل لضمان الحصول على الحقوق الكاملة للعمال من القطاعين العام والخاص. ويقول ياسر علي بامحسون: إن عيد العمال يعد ذكرى للاحتفال بإنشاء الحركة العمالية ، وتسجيل قائمة المنجزات الاجتماعية والاقتصادية التي حققها العمال على مدى عام كامل، وتخليداً لإسهاماتهم في تشييد الوطن ورفاهيته و ازدهاره. القطاع الخاص لكن الغريب أن هذه المناسبة تستثمرها دول العالم النامي للنحيب ولذرف الدموع والتباكي على العمال المطحونين خصوصاً أولئك الذين ينتسبون للقطاع الخاص، و ما زالوا يعيشون حياة الضنك ويقاسون الويلات في رحلة عنائهم اليومي سعيا وراء تأمين لقمة العيش لأسرهم وذويهم، والوقائع وحدها تكشف عن مدى معاناتهم و الواقع الأليم الذي يرزحون تحت وطأته بسبب الظلم الذي يتجرعونه صباح مساء، لذلك تحرص معظم دول على التعامل مع هذه الذكرى من بوابة تبرئة الذمة والتخلص من الإثم، ولتنفض عن كاهلها عبء جريمة يقترفها النظام الرأسمالي العالمي دون وازع أو ضمير. الأخ أحمد خميس جعفر: من خلال متابعاتي للمواضيع التي نشرتها المواقع الإلكترونية على شبكة النت، لفت انتباهي أخبار تفيد بدعوات بعض منظمات المجتمع المدني لترفيع أجور العاملين، ومنحهم المزيد من حقوقهم المهدورة، وتنادي بضرورة تعزيز العمل النقابي والنضال من أجل الحرية والاستقلال الاقتصادي، ومن وجهة نظري أن مثل هذه المطالب غير واقعية أو منطقية ما دمنا نعيش على النمط الاستهلاكي ونقتات من البضائع المستوردة من الخارج، لكن أكثر الأخبار التي جعلتني أشعر بالمرارة والألم تصريح خبير فلسطيني قال إنه في يوم العمال العالمي200 ألف عامل في قطاع غزة عاطلون عن العمل مما يعني ارتفاع البطالة في قطاع غزة إلى مستوى قياسي وفي بلادنا الأرقام والإحصائيات عن البطالة كلها تقريباً غير دقيقة وبما أنني من موظفي القطاع الخاص فإنني لا أعرف طعم عيد العمال، فأيامي كلها دوام في دوام باستثناء يوم الجمعة أحياناً. أما أكثر الأخبار طرافة فهي توقع عبور 2.4 ملايين شخص حدود هونغ كونغ في عطلة عيد العمال، وما أقول إلا يا بختهم وكان الله في عوننا وعونكم.