عبر دخان سيجارته ، تسللت عيناه إلى روح خفية ، تسكن الدخان .. للدخان روح أيضاً ....وللماء والهواء والتراب ، ..كان في المقهى ، يصغي الى روح الدخان ..وأمامه ، جلس تلميذ ، يتعلم الكتابة والقراءة بشغف ، ويحاول تحسين خطه مستبسلا في استقامة الالف وانحناءات الواو والنون ..... إنه الدخان مرة أخرى ، ..أين ذهب ذلك الولد ؟!! ...قبل ان يجد الاجابة ، فوجئ بهما في مكان الولد نفسه : فتىً يوسفيَّ الغواية تتأبط ظله الفارع فتاة زليخائية الوجد ، ....أين ذهب كرسي المقهى ؟..كيف استحال مقعدا نائيا في متنزه شبيه بمكان يعرفه ؟؟...تساءل المغلف بحزام الدخان ...وعاد الى متابعة المشهد الساخن للغواية الابدية ، ..ياه ...كم هي نهمة شفتاها هذه الفلذة من قمر اسطوري باذخ ..وكم تعبده ...تتهجد بين تضاريس فتوته ، ..وإنها لتتقن قراءة رغباته ...بأكثر من لغة للحب ....أطرق هنيهة مسلطاً عينيه المجمرتين على صورته في قدح الشاي ...محرقاً الهواء بغمامة دبقة من دخان رخيص ....وأمامه ...لا أحد ..امامه ؟ ....هل هو يهذي ..أهي ما يدعونه الاوهام السمعية والبصرية ؟؟..أين ذهب هذان العاشقان اللذان كسر بهاؤهما جهامة المقهى ؟؟.... النادل ..يسأله فيلتفت اليه: أتأمرني بشئ يا سيدي؟؟ ..لا ..لا ..معذرة ..كنت أفكر بصوت عالٍ لا أكثر ...آسف جداً ...وأعاد عينيه الى حيث تتلاشى غمامة الصمغ الرمادية ...لا أحد في المقهى ...غيره هو .. و...صورته ..على مرآة قديمة ..على الجدار المقابل ...وسيجاره الذي احترق بالكامل ..قرر أن يغادر بسرعة ...لتزيد فرصته ..في العثور عليهم ..قبل أن يطبق الظلام.