الصينيون لم يكونوا على قدر من الذكاء ليصدروا لنا كشافات رأس، لولا أنهم استلهموا الفكرة منا، كما أنهم لم يكونوا ليصنعوا مسجلات USB وفلاش وذاكرة وسيديهات لولا أن بعض اليمنيين حاولوا إضافة هذه المميزات هنا في اليمن.. و نتيجةً طبيعية لما شهدته اليمن مؤخراً من احتجاجات في كلا الطرفين، جاءت الحمامات المتنقلة التي رأيناها في ساحة الاعتصامات مؤخراً..، ليس غريباً فالتجمعات السكانية التي وجدت الساحة مكاناً لها لم تجد مكاناً لتسد حاجتها، فكان لابد من هذه الحمامات. لكن مع ذلك وجدت هذه الحمامات انتقادات شديدة من السكان المجاورين وأصحاب المحلات التجارية الذين يقطنون بجانبها نتيجة لما تخلفه هذه الحمامات وراءها من روائح كريهة.. في حديقة التحرير, بصنعاء, التي أكلت الخيام وجهها الأخضر، ولم تترك منه سوى المساحة الخلفية التي تحاذي الشارع الرئيسي يلفت نظر الزائر «حمام سفري» يشبه جودي دينه، مقسم إلى خمس فتحات، يضم في إحدى جوانبه سخانين كما يبدو في الصورة. يظهر الحمام متنقلاً، ويملك إطارين في مؤخرته يشبه إطارات السيارة، لكن مقدمته تتكئ على بلوك، ما يعني أنه مصمم خصيصاً للظروف الطارئة وأنه سيجد مكاناً آخر بانتظاره لو لزم الأمر، كما هو مزود ب «ماصورة بلاستيكية» موصلة لفتحة مجاري على الإسفلت تنقل مخلفات الخمس الفتحات، كانت هذه الماصورة مكسرة وتشن منها المخلفات لتنتشر في الرصيف, مخلفةً وراءها مياهاً تنتشر على المارة،وروائح تسد أنفاس المنازل المجاورة وأصحاب المحلات التجارية. عبد الله أحمد (صاحب بقالة) في أحد مداخل ميدان التحرير, بدا عليه تحاملاً شديداً من الوضع الذي يعيشه وبقالته،وقال ل«الجمهورية»: ايش نفعل ..، والله لو كانت البقالة حقي عربية لدهفتها لخارج حزيز. يضيف عبدالله: «الحمامات هذه خلونا كرهنا المحل، كرهنا الشغل من الرائحة , من المنظر، الواحد يجيء لقدّام الحمام وجلس ،والحمامات مفتوحة ولو قمت تتكلم معه يشتل لأرفع منك، ويقول لك أنت غلطان ،ما دخلك».. الحمام المتنقل الذي هبط على ميدان التحرير أثناء الأحداث كان متوقعاً منه أن يشد رحاله ،خاصة مع رحيل زعيمهم من السلطة؛ لكنه ظل كعادته لم يحرك ساكناً أمام تحامل أصحاب المحلات التجارية عليه، يتابع عبد الله : «شوف أصحاب البيت هذه ثلاثه دور ،سيبوها وعزلوا والبيت حقهم ،وراحوا يستأجروا بيت إيجار»..سألته ما السبب، أجاب: «من الرائحة ،من المضايقات عندهم نساء داخلات خارجات». في الجانب الآخر الذي لا يبعد عن المكان سوى كيلومتر ساحة التغيير تحديداً ،دخلت المكان وبدأت آخذ طريقي باتجاه الحمامات المتنقلة،حينها بدأت اخذ صوراً للحمامات قبل أن يفاجئني أحد الأشخاص بسؤال اعتراضي : هل ترصد سلبيات الثورة؟ في ساحة التغيير “بحي الجامعة, تأخذ الحمامات المتنقلة طابعاً آخر, للسياسة حضور. فيها تدرك ذلك من خلال توقيعات الداخلين التي تظهر على الحيطان ..،عندما تراها تتناسى انك أمام حمامات وتدرك حقيقة المقولة المعروفة : الحمامات ملهمة للأفكار ،(أمريكا في سقطرى ، يكفي استيقظوا) هذه إحدى الشعارات التي كتبت بالخط العريض على أحد الحيطان . أحد الأشخاص اقترب مني عند خروجه من الحمام ،حينما رآني أصور ليقول : ادخل ستجد جرائد على الحائط من كثرة الكتابة عليه، لم افهم حينها أدركت بأن هناك مقالات كتبت عن هذه الحمامات فعلقت على جدرانها ، قبل أن أتفاجأ بأنها عبارات كتبت بالأقلام على الحائط. على الرغم من أن الحمامات المتنقلة في الجامعة أقل بشاعة منها في التحرير ،على الأقل أنها «لا تقطر للشارع» , لكنها مع ذلك تظل مصدر إزعاج للساكنين. مطهر أحمد العواضي - صاحب بقالة في الدائري - بدأ يحسب في يديه الأمراض التي تسببها هذه الحمامات وكأنه يحسب ديونه ليقول لنا :تسبب الملاريا ، والأمراض المعدية والفيروسات وتوجد الذباب،والنامس ، نحن متضايقون متضايقون جداً . العواضي - صاحب البقالة - الذي يسكن في العمارة المجاورة لبقالته, يضيف : المنطقة هذه لم تعرف النامس في عهدها، لكن الآن ندخل البيت نفتح الباب بهدوء نتفاجأ والنامس قدوا داخل ،قد سبقنا للداخل. ليس المقياس بالنظافة لهذه الحمامات من قبل مستخدميها ..،لكن بما تسببه من إزعاج للقاطنين جوارها. الخيام في ساحة التحرير منذ أكثر من أشهر أصبحت خالية على عروشها سوى من بعض المخزنين والأشخاص الذين يؤدون دوراً وظيفياً في المبيت فيها . مع ذلك يشهد الحمام المتنقل حركة مستمرة لا تدري من أين يأتون إليه، كما قال عبد الله. مع ذلك تشهد هذه الحمامات تدهوراً مستمراً لتزيد من معاناة ساكنيها ..، لكن المعاناة في ساحة التغيير أكبر؛ نتيجة لأن الساحات مازالت مزدحمة بالناس، وهذا يجعل المشكلة أكبر أمام القاطنين.