مثلما كانت الثنائية التعزية ما بين الفضول وأيوب، كانت الثنائية الحضرمية بين المحضار وبلفقيه، وكل ثنائية لا تكرر. يارسولي توجه بالسلامة قل لهم عاد شي للوصل حيلة زر صحابي وبلغهم سلامي ليه إن وعدوا خلفوا المواعيد علق الشاعر حسين أبوبكر المحضار آماله بهذه الرسالة في طلب لقاء الحبيب وعودة الحب الرطيب، وتذكار لياليه الجميلة ذي مضت في سفوح الخُرد والفيد. وبعد الخمسين من عمره إلا أنه أحب من القاع حتى النخاع، خاض بحر الهوى سبعين قامة بعد ما طاب في العشق مقامه ومكانه تفنن بذكره وتغزله ووصفه لظبا شعب رامه يا رعا الله ظبا في شعب رامه يصبحن تحت الأشجار الظليلة منهن قد تعب كمين رامي يقطفين الثمر لي في العناقيد ترجم، وترنم، شعر المحضار الفنان الذي تأبى العصافير أن تُغني أمامه كي لا تخيب بصوتها، صاحب الصوت الثلاثي والحنجرة الذهبية، وسفير الأغنية اليمنية أبوبكر سالم بلفقيه. يا طيب النفس نفسي عليلة من تذكار الليالي الجميلة لي صفا فيها صباحك وممساك يا حلا بستان لي طاب مجناك فالحب هو الذي يجعل الإنسان يتذكر، ولاسيما قلب المحضار، فالحب صانع الجمال في القلوب، وهو الذي يصور فيبدع التصوير، فالجمال وحده لا قيمة له بلا حب. ترقب المحضار وتحسب وصبر لميعاد جني العنب ولم يقصد عنب الثمر، إنما قصد عنب البشر: لما يا سهير العين ما توهد تبيت في تزعالي إنك من التفرقة والبين لك أيام مسهونة، يا زارعين العنب متى تبيعونه. بات المحضار ساهراً يرعى الكواكب، يقضي الليل ما بين وقوف وسير، ولم يعلم أحد ما بقلبه إلا الله: على ضوء ذا الكوكب الساري باقضي الليل خبه وسيره ولا حد بما أقصده داري غير الذي يعلم الأسرار حل وقطن في تريم المدينة الغناء، وتمنى ألا تنقضي أيام العمر وهو في هذه المدينة المشهورة تريم مدينة العلم، وناطحات السحاب وكنز التراث: فرصة من العمر يا ليتها ما انقضت في تريم المدينة علينا مضت عند المحبين لي بعدهم ما أغمضت مقل عيني ولا ذقته لذيذ القوت با حل في الغنا مدينة حضرموت. عانى ألم البُعد والفراق، وشكا وحن وناح، ووصف حالته بأنها أوضع حالة عند البُعد، حتى ولو كانت سنة واحدة أو شهر، تجده دايم الهموم حائراً مشطوناً، وطلب من كابتن الطائرة أن يشله إلى أهله وأحبابه ولو ليلة: شلنا يا بو جناحين إلى عند المحب حتى في الشهر ليلة باشكي حالي وبشكي بحاله الله يفك على كل مرصون ماقدر عالبعد سنتين وإن مرت سنة مرت علي ثقيلة حالتي في البعد أخس حالة دايم وأنا حاير ومشطون جرب أحبابه وودع قلبه معهم وترقب هل سيحفظونه أم لا؟ لأن المحضار حفظ كل قلوب أحبابه فقال: ودعت قلبي مع الأحباب هل هم بايحفظونه والا ترى الناس كل من غاب عنهم ما يذكرونه يا كم وكم شخص صادقته وبعد ولى وفيّ عاب. المحضار يقول الشعر الشعبي بكل عفوية، وبدون تكلف فالقوافي تأتيه خاشعة مُستكينة فيتناول منها اليانع ويترك اللاذع ..استمع إليه وهو يقول: علي رفعت الرأس هذا تيه أو كبره أو ذا دلع ودلال قل لي خلنا ندوا وقوله: ليلة في الطويلة خير من ألف ليلة تفضل فضيلة يا صاحب الموتر تأن يالقرن ياليتك تقع لي وطن. جمع المحضار ما بين قوة الأسلوب، وسلاسة العبارة، وإشراف المعنى في ضربة واحدة فاجتمعت له كل روائع الشعر، وأفانين القول الرصين، تناقلت أشعاره فملأت الجزيرة العربية والخليج، وطأطأ شعراء الخليج وفنانيها رؤوسهم لهذا العملاق اليمني الأصيل، ولحنوا معظم قصائده، ودندنوا بدانه الجميل.. بل ودندن فنانون ويمنيون كُثر بقوافيه العذبة أطرب الأسماع وطرد الأوجاع وغاب عنا بدون ارتجاع. رحل المحضار إلى جوار ربه في مسقط رأسه مدينة الشحر “مدينة سعاد” في العام 2000م عن عمر يناهز السبعين عاماً، بعد أن ولد في المدينة نفسها من العام 1930م، ترك لنا أربعة دواوين شعرية هي: ابتسامات العشاق، حنين العشاق، أشجان العُشاق، دموع العشاق.