رستم عبدالله شاب طموح يخرج من عنق الزجاجة حاملاً معه حكايات وأنات وقصصاً كان يختزلها في نفسه لواقع محسوس وملموس عاشه فترة من الزمن لم يبح فيها ، إن الزمن الذي عاشته تلك الحكايات في نفسه ليس بالأمر البسيط فلقد اختزلها في تسع عشرة قصة أو حكاية. وقد تكون تلك القصص سمعها أو شاهدها وأخرجها إلى الواقع. ولقد تأملت جيدًا ما كتب القاص رستم فكان الواقع بذاته ، واقع متحرك يدافع عن نفسه يتحرك ينطق يدافع عن كيانه، يتسلل إلى قلوبنا، منهج جديد للقصة اليمنية الحديثة في فنها السياسي والاجتماعي والثقافي فلقد جمع ذلك المنهج بفن السخرية والعنفوانية والأمل والألم وزع تلك الأنات على ما يجري في هذا الواقع وليس بالسهل تدارك واقعنا المضحك والمؤلم أحياناً. كان الإهداء أولاً إلى روح والده ثم إلى والدته التي أسقته روح الحنان والحب ، وإلى زوجته وإلى أولاده ثم إلى شباب الثورة الذين تحملوا الكثير من أجل التغيير، ثم كان التقديم نورا يشعشع يوماً بعد يوم للروائي القاص محمد الغربي عمران قال : ان القصة القصيرة استوطنت مساحة من المشهد اليمني لتزيد فرسانها واليوم بيد القارئ مجموعة قصصية تمتاز بقربها من نبض الواقع بل وبواقع يحاول الكاتب الغوص في أعماق الماضي والحاضر . لقد أعطى الكاتب واقعاً ملموساً فيه الواقع المعاش ووضع له سلالم له خطاطيف تستطيع التسلق عليه لتصل إلى واقع بعيد عن الخيال تلتقط فيه أحجاره أو تشرب من مائه الزلال... والقاص رستم عبد الله مليء بالحب والكراهية والخيال وتسع عشرة قصة أو حكاية تجعلك تعيش في أزقة الواقع بطبق شهي لما فيها من الواقعية والخيالية عسلا مندسا فيه السم القاتل. مثل قصة سانتا كلوز: يقول الكاتب : كانت الحارة غارقة في ظلام والزمهرير يكنس حثالة أزقتها الضيقة المرصفة بالأحجار السوداء الملساء الباهتة. ظلام وأحجار سوداء وملساء.. ولو اكتفى بالظلام لكن الحارة مظلمة كاف ليعرف القارئ ان الكهرباء معدومة بالحارة والمياه جافة. والفرحة لم تتم انه الألم تماماً , ويضيف في قصته يقول ان الأطفال الذين لاهم لهم ينظرون إلى خراطيم المياه التي أصبحت لا تفي بالغرض .. والكاتب بوصفه للمياه والكهرباء المعدومة عن المدينة كاملاً. فاذا وجد الماء في ذلك الشهر افتقدت الكهرباء. جذيب : شخص من عامة الناس أو قد يكون تصغيرا لمجذوب لكن الطباع يختلف ولكن جلسات القات والسهر جعلت الشباب يتشبهون بجذيب في سوق آخر وكان القات سببا لما يجري لجذيب. التشبيه عادة يغرق بالمشبه به فلا يصل إلى الحقيقة يقول القاص رستم قرر الأصدقاء في هذه الليلة زيارة قرية الهجر في كرش الحمام الكبريتي وهم يخططون في جلسة القات للذهاب إلى الحمام في الصباح الباكر و كان اللقاء ذهبوا يحملون أنفسهم لغسل أجسامهم في الحمام الكبريتي وهم مخدرون من بقايا قات البارحة.. وجدوا جذيب الذي نغص عليهم رحلتهم فشبهوه بأحد الناس ان جذيب يتابعهم .حيث كان موعد شراء القات. الشيخ عفيف : زحف الليل بجلبابه سريعاً في ليلة من ليالي كانون الثاني البارد كانت ليلة محاق غاب فيها القمر وأوى الناس إلى منازلهم .. القاص رستم كان الليل مملكته مع الشيخ عفيف في بيت نجيب أخذت الأسرة تتجاذب الحديث حول موقد التدفئة عما يحصل بالقرية وذلك الشيخ الذي يأتي في المساء ليطرق منازل الناس وإزعاجهم وخاصة بيوت الأرامل قرروا وضع حراسة والقبض على ذلك الشبح كان التصنت ليوقعوا بذلك الشبح .. وفي الأخير وجدوا ان الشبح هو الشيخ عفيف. دردشة : يحكي قصة العاشق الولهان . في الفيس بوك أو رسائل التلفون فكان العجب ليكون أخيراً عاشق الجنس. حكايات من خلف الزبير. قصة سياسية لما يجري للمواطنين العزل الذين يهربون من الواقع ليموتوا مرتين مرة في أيدي الدرك وموتا آخر الجوع والعراء. لقد أمسك الكاتب بخيط رفيع نحس به يومياً وخاصة الشباب. وهي قصة المجموعة هربت من الواقع المعاش. يقول في أول القصة والحكاية كانوا ثلاثة شباب في العشرين من العمر التصقوا بعضهم ببعض ليدفعوا أجسامهم النحيلة السمراء بحرارة أجسامهم كان العصر يحتضن الليل ليستعد بجلبابه ليلف المكان بالعتمة والرياح ولم يعرفوا أين هم لقد جعل لهم الليل السرمدي ظلالا لكن جنود الدورية كانوا يراقبون وينتظرون تلك الأشباح السائرة أمام أعينهم مات أحد الشباب وأوصاهم بالعودة إلى أرض الوطن لمحاربة الفساد الذي استشرى في الوطن .. القصة لها مدلولها من حيث الواقع المحسوس والذي يعاني منه الشعب اليمني وخاصة البطالة في واقع الشباب الذين لا يجدون ما يقتاتون. لقد أمسك القاص شعرة معاوية فقصم بها ظهر البعير فالهروب من الواقع إلى واقع أسوأ كالهارب من الرمضاء إلى النار، ان قضية الفساد والبطالة والفقر والمرض كانت سببا لتلك الهجرة لطلب العيش.. وان مقارعة الظلم والفساد أهون من الهروب منه والموت واقفاً في الميدان أهون من الهروب منه والموت بشجاعة خير من التستر. لقد جعل حكاية الزبير قصة الوطن بأكمله فهؤلاء الشباب الهاربون من واقعهم المر إلى واقع أشد مراً جعل القاص رستم يخوض في الزمن الحاضر والماضي والمستقبل ومنطقة الزبير منطقة حدودية يتم فيها تهريب البشر .. قصة قريان لها مدلولاتها الخاصة ولو وضع لها عنوان آخر سرطان بشري لكن أهون فالجرثومة لا تحتاج إلا البتر. أما قصة رخيصة. تثبت ان القاص رستم متثبت بالواقع المعاش أما سهرا وأما سوق القات وتلك المغريات مثل الفضائيات والإعلام المسخر والمسيس. لقد جعلت من الفتات لقمة سائغة لركاب الحافلة وكأنهم ينظرون إليها بطرف خفي جعلت رائحة العطر تتغلب على تلك الروائح الكريهة داخل الحافلة. أما قصة اهبل من بجاش فكانت مثلا يحتذى به مثل حكاية المرتب والبعوضة التي أزعجته وقصة الصديق والصفعات التي تعطي مثالا للعنجهية الكاذبة. اجتمع الأصحاب ليعرفوا من أين جاءت تلك الصفعات من العم محمود الذي أصبح المثل الذي يقتدى به في الضربات المباشرة والكوارث التي تقع عليه. ولو سماها الكاتب العم محمود لكان أفضل والكاتب رستم يكثر من الحكايات في قصصه عن المساء والقات فتجده يتحدث عن القات والسمرات وكأن القات ولعته.. وهناك قصص وحكايات أوردها الكاتب في حكايات من خلف الزبير مثل خريج جامعي والكاميرا وطفل الحجارة التي تم استيرادها بالتقليد من الطفل الفلسطيني الذي يضرب العدو وكانت شرا ووباء على بعض الحارات. أما يموتون بؤساء فهي قصة الشعب الصومالي الذي ظل يهرب ويركض للهروب من الموت ليواجه موتا آخر للبحث عن لقمة العيش ويستمر رستم عبد الله في إخراج الوجع لكن دون طبيب مداو فمات الطبيب وهناك قصص وحكايات أخرى في مجموعة الأولى مثل نجم وثائر ورجل مهذب كل تلك القصص تخرج من عنق الزجاجة لتظهر واقعا محسوسا وملموسا. فالكاتب رستم لا يصبر على شيء فهو يرصد الأشياء أول بأول فالأحداث عنده لقمة صائغة يلتقطها قبل ان يأخذها غيره لقد لعب القاص رستم بحبل المشنقة قبل ان يشنق نفسه ليخرج بمجموعة قصصية واقعية تلامس هذا الواقع المعاش والملموس . فلقد كانت السمرات والقات الطري أذنا واعية لالتقاط تلك الحكايات وتحويلها إلى أسطر تقرأ لتكون في تناول القارئ ولتزود المكتبة اليمنية بكتاب جديد. فلكل إنسان قصة يحكيها. لكن القاص رستم حاك تلك القصص بأسلوب سلس يتقبلها الناس ليقرأها من وصلت إليه. تحية للقاص رستم عبد الله ومزيدا من العطاء المتجدد في مجال القصة القصيرة.